وقال الآلوسى :
﴿ فاذهب ﴾ أي إذا كان الأمر كذلك فاذهب ﴿ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا ﴾ أي فقاتلاهم وأخرجاهم حتى ندخل الأرض ؛ وقالوا ذلك استهانة واستهزاءاً به سبحانه وبرسوله عليه الصلاة والسلام وعدم مبالاة، وقصدوا ذهابهما حقيقة كما ينبىء عنه غاية جهلهم وقسوة قلوبهم، والمقابلة بقوله تعالى :﴿ إِنَّا هاهنا قاعدون ﴾، وقيل : أرادوا إرادتهما وقصدهما كما تقول : كلمته فذهب يجيبني كأنهم قالوا : فأريدا قتالهم واقصداهم، وقال البلخي : المراد : فاذهب أنت وربك يعينك، فالواو للحال، و﴿ أَنتَ ﴾ مبتدأ حذف خبره وهو خلاف الظاهر، ولا يساعده ﴿ فَقَاتِلا ﴾ ولم يذكروا أخاه هارون عليهما السلام ولا الرجلين اللذين قالا كأنهم لم يجزموا بذهابهم أو لم يعبأوا بقتالهم، وأرادوا بالقعود عدم التقدم لا عدم التأخر أيضاً. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٦ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
ومعنى قولهم :﴿ فاذهب أنت وربّك فقاتلا ﴾ إن كان خطاباً لموسى أنّهم طلبوا منه معجزة كما تعوّدوا من النصر فطلبوا أن يهلك الله الجبّارين بدعوة موسى.
وقيل : أرادوا بهذا الكلام الاستخفاف بموسى، وهذا بعيد، لأنّهم ما كانوا يشكّون في رسالته، ولو أرادوا الاستخفاف لكفروا وليس في كلام موسى الواقع جواباً عن مقالتهم هذه إلاّ وصفهم بالفاسقين.
والفسق يطلق على المعصية الكبيرة، فإنّ عصيان أمر الله في الجهاد كبيرة، ولذلك قال تعالى فلا تأس على القوم الفاسقين، وعن عبد الله بن مسعود قال : أتى المقدادُ بن الأسود النبيءَ وهو يدعو على المشركين يوم بدر فقال :"يا رسول الله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل" ﴿ فاذْهب أنت وربّك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون ﴾ الحديث.
فَلا تَظُنَّنّ من ذلك أنّ هذه الآية كانت مقروءة بينهم يوم بدر، لأنّ سورة المائدة من آخر ما نزل، وإنّما تكلّم المقداد بخبر كانوا يسمعونه من رسول الله ﷺ فيما يُحدّثهم به عن بني إسرائيل، ثم نزلت في هذه الآية بذلك اللّفظ. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٥ صـ ﴾