وقال آخرون : إنهما كانا مع القوم في ذلك التيه إلا أنه تعالى سهل عليهما ذلك العذاب كما سهل النار على إبراهيم فجعلها برداً وسلاماً، ثم القائلون بهذا القول اختلفوا في أنهما هل ماتا في التيه أو خرجا منه ؟ فقال قوم : إن هارون مات في التيه ثم مات موسى بعده بسنة، وبقي يوشع بن نون وكان ابن أخت موسى ووصيه بعد موته، وهو الذي فتح الأرض المقدسة.
وقيل : إنه ملك الشأم بعد ذلك.
وقال آخرون : بل بقي موسى بعد ذلك وخرج من التيه وحارب الجبارين وقهرهم وأخذ الأرض المقدسة والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٦٠﴾
فائدة
قال الفخر :
قوله ﴿فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ﴾ الأكثرون على أنه تحريم منع لا تحريم تعبد، وقيل : يجوز أيضاً أن يكون تحريم تعبد، فأمرهم بأن يمكثوا في تلك المفازة في الشدة والبلية عقاباً لهم على سوء صنيعهم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٦٠﴾
وقال الآلوسى :
والتحريم تحريم منع لا تحريم تعبد، ومثله قول امرىء القيس يصف فرسه :
جالت لتصرعني فقلت لها اقصري...
إني امرؤ صرعي عليك ( حرام )
يريد إني فارس لا يمكنك أن تصرعيني، وجوز أبو علي الجبائي وإليه يشير كلام البلخي أن يكون تحريم تعبد والأول أظهر. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٦ صـ ﴾

فصل


قال الفخر :
اختلفوا في التيه فقال الربيع : مقدار ستة فراسخ، وقيل : تسعة فراسخ في ثلاثين فرسخاً.
وقيل : ستة في اثنى عشر فرسخاً، وقيل : كانوا ستمائة ألف فارس.
فإن قيل : كيف يعقل بقاء هذا الجمع العظيم في هذا القدر الصغير من المفازة أربعين سنة بحيث لا يتفق لأحد منهم أن يجد طريقاً إلى الخروج عنها، ولو أنهم وضعوا أعينهم على حركة الشمس أو الكواكب لخرجوا منها ولو كانوا في البحر العظيم، فكيف في المفازة الصغيرة ؟
قلنا : فيه وجهان : الأول : أن انخراق العادات في زمان الأنبياء غير مستبعد، إذ لو فتحنا باب الاستبعاد لزم الطعن في جميع المعجزات، وإنه باطل.


الصفحة التالية
Icon