والعادة تبعد كثيراً منه فلا يقبل إلا ما صح عن الله تعالى ورسوله ﷺ، ولقد سألت بعض أحبار اليهود عن لباس بني إسرائيل في التيه فقال : إنهم خرجوا من مصر ومعهم الكثير من ثياب القبط وأمتعتهم، وحفظها الله تعالى لكبارهم وصغارهم فذكرت له حديث الظفر، فقال لم نظفر به وأنكره فقلت له : هي فضيلة فهلا أثبتها لقومك؟ فقال : لا أرضى بالكذب ثوباً، واستشكل معاملتهم بهذه النعم مع معاقبتهم بالحيرة، وأجيب بأن تلك المعاقبة من كرمه تعالى، وتعذيبهم إنما كان للتأديب كما يضرب الرجل ولده مع محبته له ولا يقطع عنه معروفه، ولعلهم استغفروا من الكفر إذا كان قد وقع منهم، وأكثر المفسرين على أن موسى وهرون عليهما السلام كانا معهم في التيه لكن لم ينلهما من المشقة ما نالهم، وكان ذلك لهما روحاً وسلامة كالنار لإبراهيم عليه السلام، ولعل الرجلين أيضاً كانا كذلك.
وروي أن هارون مات في التيه واتهم به موسى عليهما السلام فقالوا : قتله لحبنا له فأحياه الله تعالى بتضرعه، فبرأه مما يقولون، وعاد إلى مضجعه، ومات موسى عليه السلام بعده بسنة، وقيل : بستة أشهر ونصف، وقيل : بثمانية أعوام، ودخل يوشع أريحاء بعده بثلاثة أشهر، وقال قتادة : بشهرين، وكان قد نبىء قبل بمن بقي من بني إسرائيل ولم يبق المكلفون وقت الأمر منهم، قيل ولا يساعده النظم الكريم فإنه بعدما قبل دعوته عليه السلام على بني إسرائيل وعذبهم بالتيه بعيد أن ينجو من نجا، ويقدر وفاة النبيين عليهما السلام في محل العقوبة ظاهراً، وإن كان ذلك لهما منزل روح وراحة، وأنت تعلم أن الأخبار بموتهما عليهما السلام بالتيه كثيرة لا سيما الأخبار بموت هارون عليه السلام، ولا أرى للاستبعاد محلاً، ولعل ذلك أنكى لبني إسرائيل.


الصفحة التالية
Icon