وقيل : إنهما عليهما السلام لم يكونا مع بني إسرائيل في التيه، وأن الدعاء وقد أجيب كان بالفرق بمعنى المباعدة في المكان بالدنيا، وأرى هذا القول مما لا يكاد يصح، فإن كثيراً من الآيات كالنص في وجود موسى عليه السلام معهم فيه كما لا يخفى.
﴿ فَلاَ تَأْسَ ﴾ أي فلا تحزن لموتهم، أو لما أصابهم فيه من الأسى وهو الحزن ﴿ عَلَى القوم الفاسقين ﴾ الذين استجيب لك في الدعاء عليهم لفسقهم ؛ فالخطاب لموسى عليه السلام كما هو الظاهر، وإليه ذهب أجلة المفسرين.
وقال الزجاج : إنه للنبي ﷺ، والمراد بالقوم الفاسقين معاصروه عليه الصلاة والسلام من بني إسرائيل كأنه قيل : هذه أفعال أسلافهم فلا تحزن أنت بسبب أفعالهم الخبيثة معك وردهم عليك فإنهم ورثوا ذلك عنهم. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٦ صـ ﴾
فصل
قال الفخر :
يقال : تاه يتيه تيهاً وتيهاً وتوها، والتيه أعمها، والتيهاء الأرض التي لا يهتدى فيها.
قال الحسن : كانوا يصبحون حيث أمسوا، ويمسون حيث أصبحوا، وكانت حركتهم في تلك المفازة على سبيل الاستدارة، وهذا مشكل فإنهم إذا وضعوا أعينهم على مسير الشمس ولم ينعطفوا ولم يرجعوا فإنهم لا بدّ وأن يخرجوا عن المفازة، بل الأولى حمل الكلام على تحريم التعبد على ما قررناه، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٦١﴾
قال ابن عاشور :
وقول الله تعالى له :﴿ فإنّها محرّمة عليهم أربعين سنة ﴾ الخ جواب عن قول موسى ﴿ فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ﴾، وهو جواب جامع لجميع ما تضمّنه كلام موسى، لأنّ الله أعلم موسى بالعقاب الذي يصيب به الّذين عصوا أمره، فسكن هاجس خوفه أن يصيبهم عذاب يعمّ الجميع، وحصل العقاب لهم على العصيان انتصاراً لموسى.
فإن قلت : هذا العقاب قد نال موسى منه ما نال قومَه، فإنّه بقي معهم في التِيه حتّى توفّي.