الرابع : قال ابن كثير : تضمنت هذه القصة تقريع النهود، وبيان فضائحهم ومخالفتهم لله ولرسوله، ونكولهم عن طاعتهما فيما أمراهم به من الجهاد، فضعفت أنفسهم عن مصابرة الأعداء ومجادلتهم ومقاتلتهم، مع أن بين أظهرهم رسول الله ﷺ وكليمه وصَفيّه من خَلْقه في ذلك الزمان، وهو يعدهم بالنصر والظفر بأعدائهم. هذا مع ما شاهدوا من فعل الله بعدوّهم، فرعون، من العذاب والنكال والغرق له ولجنوده في اليمّ وهم ينظرون، لتقرَّبه أعينهم ( وما بالعهد من قدم ). ثم ينكلون عن مقاتلة أهل بلد هي بالنسبة إلى ديار مصر لا توازن عشر المعشار في عدة أهلها وعددهم، وظهرت قبائح صنيعهم للخاصّ والعام، وافتضحوا فضيحة لا يغطيها الليل ولا يسترها الذيل. وقال -رحمه الله -قبل ذلك : وما أحسن ما أجاب به الصحابة -رضي الله عنهم -يوم بدر رسولَ الله ﷺ حين استشارهم في قتال النفير الذين جاءوا لمنع العير الذي كان مع أبي سفيان. فلما فات اقتناص العير، واقترب منهم النفير، وهم في جمع ما بين التسعمائة إلى الألف في العدة والبيض واليلب. فتكلم أبو بكر -رضي الله عنه - فأحسن، ثم تكلم من الصحابة، من المهاجرين، ورسولُ الله ﷺ يقول : أشيروا عليّ أيها المسلمون ! وما يقول ذلك إلا ليستعلم ما عند الأنصار. لأنهم كانوا جمهور الناس يومئذٍ. فقال سعد بن معاذ : كأنك تعرض بنا يا رسول الله ؟ فوالذي بعثك بالحقّ ! لو استعرضت بنا هذا البحر، فخضته، لخضناه معك. ما تخلّف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً. إنا لصبُرُ في الحرب، صُدُق في اللقاء. لعل الله أن يُرِيَكَ منّا ما تقرّ به عينك. فَسِرْ على بركة الله. فُسرَّ رسول الله ﷺ بقول سعد، ونشطه لذلك.