فصل
قال الجصاص :
قَوْله تَعَالَى :﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ ﴾.
قَالَ مُجَاهِدٌ :" شَجَّعَتْهُ نَفْسُهُ عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ ".
وَقَالَ قَتَادَةُ :" زَيَّنَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ ".
وَقِيلَ :" سَاعَدَتْهُ نَفْسُهُ عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ ".
وَالْمَعْنَى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَنَّهُ فَعَلَهُ طَوْعًا مِنْ نَفْسِهِ غَيْرَ مُتَكَرِّهٍ لَهُ، وَيُقَالُ إنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ : طَاعَ لِهَذِهِ الظَّبْيَةِ أُصُولُ الشَّجَرِ، وَطَاعَ لِفُلَانٍ كَذَا، أَيْ أَتَاهُ طَوْعًا.
وَيُقَالُ : انْطَاعَ بِمَعْنَى انْقَادَ ؛ وَيُقَالُ : طَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ، وَلَا يُقَالُ أَطَاعَتْهُ نَفْسُهُ، عَلَى هَذَا الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ :" أَطَاعَ " يَقْتَضِي قَصْدًا مِنْهُ لِمُوَافَقَةِ مَعْنَى الْأَمْرِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي نَفْسِهِ ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّوْعُ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي أَمْرًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ آمِرًا لِنَفْسِهِ وَلَا نَاهِيًا لَهَا ؛ إذْ كَانَ مَوْضُوعُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مِمَّنْ هُوَ أَعْلَى لِمَنْ دُونَهُ ؛ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَنْ يُوصَفَ بِفِعْلٍ يَتَنَاوَلُهُ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ :" حَرَّكَ نَفْسَهُ " وَ " قَتَلَ نَفْسَهُ " كَمَا يُقَالُ :" حَرَّكَ غَيْرَهُ " وَ " قَتَلَ غَيْرَهُ ".