فصل


قال الفخر :
قيل : لما قتله تركه لا يدري ما يصنع به، ثم خاف عليه السباع فحمله في جراب على ظهره سنة حتى تغير فبعث الله غراباً، وفيه وجوه : الأول : بعث الله غرابين فاقتتلا، فقتل أحدهما الآخر، فحفر له بمنقاره ورجليه ثم ألقاه في الحفرة، فتعلم قابيل ذلك من الغراب.
الثاني : قال الأصم : لما قتله وتركه بعث الله غراباً يحثو التراب على المقتول، فلما رأى القاتل أن الله كيف يكرمه بعد موته ندم وقال : يا ويلتى.
الثالث : قال أبو مسلم : عادة الغراب دفن الأشياء فجاء غراب فدفن شيئاً فتعلم ذلك منه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٦٦﴾
فائدة
قال الفخر :
﴿لِيُرِيَهُ﴾ فيه وجهان : الأول : ليريه الله أو ليريه الغراب، أي ليعلمه، لأنه لما كان سبب تعلمه فكأنه قصد تعليمه على سبيل المجاز. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٦٦﴾
قال ابن عاشور :
﴿ فَبَعَثَ الله غُرَاباً يَبْحَثُ فِى الأرض لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يا ويلتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذا الغراب فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِى ﴾.
البعث هنا مستعمل في الإلهام بالطيران إلى ذلك المكان، أي فألْهم الله غراباً ينزل بحيث يراه قابيل.
وكأنّ اختيار الغراب لهذا العمل إمّا لأنّ الدفن حيلة في الغِربان من قبلُ، وإمّا لأنّ الله اختاره لذلك لمناسبة ما يعتري الناظر إلى سواد لونه من الانقباض بما للأسيف الخاسر من انقباض النفس.
ولعلّ هذا هو الأصل في تشاؤم العرب بالغراب، فقالوا : غُراب البين.
والضمير المستتر في "يُريَه" إن كان عائداً إلى اسم الجلالة فالتعليل المستفاد من اللام وإسناد الإرادة حقيقتان، وإن كان عائداً إلى الغراب فاللام مستعملة في معنى فاء التفريع، وإسناد الإرادة إلى الغراب مجاز، لأنّه سبب الرؤية فكأنَّه مُرِيءٌ.


الصفحة التالية
Icon