وفي الخبر عن أنس قال سمعت النبيّ ﷺ يقول :" امتن الله على ابن آدم بثلاث بعد ثلاث بالرّيح بعد الرُّوح فلولا أن الرّيح يقع بعد الروح ما دفن حميم حميماً وبالدود في الجثة فلولا أن الدود يقع في الجثة لاكتنزتها الملوك وكانت خيراً لهم من الدراهم والدنانير وبالموت بعد الكبر وإن الرجل ليكبر حتى يملّ نفسه ويملّه أهله وولده وأقرباؤه فكان الموت أستر له " وقال قوم : كان قابيل يعلم الدفن، ولكن ترك أخاه بالعراء استخفافاً به، فبعث الله غراباً يبحث التراب على هابيل ليدفنه، فقال عند ذلك :﴿ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذا الغراب فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النادمين ﴾ حيث رأى إكرام الله هابيل بأن قيض له الغراب حتى واراه، ولم يكن ذلك ندم توبة، وقيل : إنما ندمه كان على فقده لا على قتله، وإن كان فلم يكن موفياً شروطه.
أو ندم ولم يستمر ندمه ؛ فقال ابن عباس : ولو كانت ندامته على قتله لكانت الندامة توبة منه.
ويقال : إن آدم وحوّاء أتيا قبره وبكيا أياماً عليه.
ثم إن قابيل كان على ذِروة جبل فنطحه ثور فوقع إلى السفح وقد تفرّقت عروقه.
ويقال : دعا عليه آدم فانخسفت به الأرض.
ويقال : إن قابيل استوحش بعد قتل هابيل ولزم البريّة، وكان لا يقدر على ما يأكله إلا من الوحش، فكان إذا ظفر به وقَذَه حتى يموت ثم يأكله.
قال ابن عباس : فكانت الموقوذة حراماً من لدن قابيل بن آدم، وهو أوّل من يساق من الآدميين إلى النار ؛ وذلك قوله تعالى :﴿ رَبَّنَآ أَرِنَا اللذين أَضَلاَّنَا مِنَ الجن والإنس ﴾ [ فصلت : ٢٩ ] الآية فإبليس رأس الكافرين من الجنّ، وقابيل رأس الخطيئة من الإنس ؛ على ما يأتي بيانه في "حم فصلت" إن شاء الله تعالى.
وقد قيل : إن الندم في ذلك الوقت لم يكن توبة، والله بكل ذلك أعلم وأحكم.