إذ من الظاهر أن صدور هذا الذنب من أحد ابنى آدم لا يصلح أن يكون سبباً لإيجاب القصاص على بني إسرائيل، أما لما أقدم رجل من بني إسرائيل على مثل هذه المعصية أمكن جعل ذلك سبباً لإيجاب القصاص عليهم زجراً لهم عن المعاودة إلى مثل هذا الذنب.
ومما يدل على ذلك أيضاً أن المقصود من هذه القصة بيان إصرار اليهود أبداً من قديم الدهر على التمرد والحسد حتى بلغ بهم شدة الحسد إلى أن أحدهما لما قبل الله قربانه حسده الآخر وأقدم على قتله، ولا شك أنها رتبة عظيمة في الحسد، فإنه لما شاهد أن قربان صاحبه مقبول عند الله تعالى فذلك مما يدعوه إلى حسن الاعتقاد فيه والمبالغة في تعظيمه، فلما أقدم على قتله وقتله مع هذه الحالة دل ذلك على أنه كان قد بلغ في الحسد إلى أقصى الغايات، وإذا كان المراد من ذكر هذه القصة بيان أن الحسد دأب قديم في بني إسرائيل وجب أن يقال : هذان الرجلان كانا من بني إسرائيل.
واعلم أن القول الأول هو الذي اختاره أكثر أصحاب الأخبار، وفي الآية أيضاً ما يدل عليه لأن الآية تدل على أن القاتل جهل ما يصنع بالمقتول حتى تعلم ذلك من عمل الغراب، ولو كان من بني إسرائيل لما خفي عليه هذا الأمر، وهو الحق والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٦١ ـ ١٦٢﴾
وقال القرطبى :
واختلف في ابني آدم، فقال الحسن البصري : ليسا لصُلبه، كانا رجلين من بني إسرائيل ضرب الله بهما المثل في إبانة حسد اليهود وكان بينهما خصومة، فتقرّبا بقربانين ولم تكن القرابين إلا في بني إسرائيل.
قال ابن عطية : وهذا وَهْمٌ، وكيف يجهل صورة الدّفن أحد من بني إسرائيل حتى يقتدي بالغراب؟ والصحيح أنهما ابناهُ لصلبه ؛ هذا قول الجمهور من المفسرين وقاله ابن عباس وابن عمر وغيرهما ؛ وهما قابيل وهابيل، وكان قربان قابيل حُزمة من سُنْبل لأنه كان صاحب زرع واختارها من أرْدإ زرعه، ثم إنه وجد فيها سنبلة طيبة ففركها وأكلها.
وكان قربان هابيل كبشاً لأنه كان صاحب غنم أخذه من أجود غنمهِ. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon