والجواب عن الأول من وجهين : أحدهما : قال الحسن : هذا القتل إنما وقع في بني إسرائيل لا بين ولدي آدم من صلبه، وقد ذكرنا هذه المسألة فيما تقدم، والثاني : أنا نسلم أن هذا القتل وقع بين ولدي آدم من صلبه، ولكن قوله ﴿مِنْ أَجْلِ ذلك﴾ ليس إشارة إلى قصة قابيل وهابيل، بل هو إشارة إلى ما مر ذكره في هذه القصة من أنواع المفاسد الحاصلة بسبب القتل الحرام، منها قوله ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ الخاسرين﴾ [ المائدة : ٣٠ ] ومنها قوله ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ النادمين﴾ [ المائدة : ٣١ ] فقوله ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ الخاسرين﴾ إشارة إلى أنه حصلت له خسارة الدين والدنيا، وقوله ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ النادمين﴾ إشارة إلى أنه حصل من قلبه أنواع الندم والحسرة والحزن مع أنه لا دفع له ألبتة، فقوله :﴿مِنْ أَجل ذلك كَتَبْنَا على بَنِى إسراءيل﴾ أي من أجل ذلك الذي ذكرنا في أثناء القصة من أنواع المفاسد المتولدة من القتل العمد العدوان شرعنا القصاص من حق القاتل، وهذا جواب حسن والله أعلم.
وأما السؤال الثاني : فالجواب عنه أن وجوب القصاص في حق القاتل وإن كان عاماً في جميع الأديان والملل، إلا أن التشديد المذكور ههنا في حق بني إسرائيل غير ثابت في جميع الأديان لأنه تعالى حكم ههنا بأن قتل النفس الواحدة جار مجرى قتل جميع الناس، ولا شك في أن المقصود منه المبالغة في شرح عقاب القتل العمد العدوان، والمقصود من شرح هذه المبالغة أن اليهود مع علمهم بهذه المبالغة العظيمة أقدموا على قتل الأنبياء والرسل.
وذلك يدل على غاية قساوة قلوبهم ونهاية بعدهم عن طاعة الله تعالى، ولما كان الغرض من ذكر هذه القصص تسلية الرسول عليه الصلاة والسلام في الواقعة التي ذكرنا أنهم عزموا على الفتك برسول الله ﷺ وبأكابر أصحابه، كان تخصيص بني إسرائيل في هذه القصة بهذه المبالغة العظيمة مناسباً للكلام ومؤكداً للمقصود. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٦٧ ـ ١٦٨﴾


الصفحة التالية
Icon