وكان قابيل فلاّحاً في الأرض، وكان هابيل راعياً للغنم، فقرّب قابيل من ثمار حرْثه قُرباناً وقرّب هابيل من أبكار غنمه قرباناً.
ولا ندري هل كان القربان عندهم يعطى للفقراء ونحوهم أو كان يترك للنّاس عامّة.
فتقبّل الله قربان هَابيل ولم يتقبّل قربان قابيل.
والظاهر أنّ قبول قربان أحدهما دون الآخر حصل بوحي من الله لآدم.
وإنّما لم يتقبّل الله قربان قابيل لأنّه لم يكن رجلاً صالحاً بل كانت له خطايا.
وقيل : كان كافراً، وهذا ينافي كونهُ يُقرّب قرباناً.
وأفرد القربان في الآية لإرادة الجنس، وإنّما قرّب كلّ واحد منهما قرباناً وليس هو قرباناً مشتركاً.
ولم يسمّ الله تعالى المتقبَّل منه والّذي لم يتقبّل منه إذ لا جدوى لذلك في موقع العبرة.
وإنّما حَمَله على قتل أخيه حسَده على مزيّة القبول.
والحسد أوّل جريمة ظهرت في الأرض. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٥ صـ ﴾
فصل
قال الفخر :
إنما صار القربان مقبولاً والآخر مردوداً لأن حصول التقوى شرط في قبول الأعمال.
قال تعالى هاهنا حكاية عن المحق ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين﴾ وقال فيما أمرنا به من القربان بالبدن ﴿لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا ولكن يَنَالُهُ التقوى مِنكُمْ﴾ [ الحج : ٣٧ ] فأخبر أن الذي يصل إلى حضرة الله ليس إلا التقوى والتقوى من صفات القلوب قال عليه الصلاة والسلام :" التقوى هاهنا " وأشار إلى القلب، وحقيقة التقوى أمور : أحدها : أن يكون على خوف ووجل من تقصير نفسه في تلك الطاعة فيتقى بأقصى ما يقدر عليه عن جهات التقصير، وثانيها : أن يكون في غاية الاتقاء من أن يأتي بتلك الطاعة لغرض سوى طلب مرضاة الله تعالى.
وثالثها : أن يتقى أن يكون لغير الله فيه شركة، وما أصعب رعاية هذه الشرائط! وقيل في هذه القصة : إن أحدهما جعل قربانه أحسن ما كان معه، والآخر جعل قربانه أردأ ما كان معه.