وعن السيد المرتضى أن الآية ليست من محل النزاع لأن اللام الداخلة على فعل القتل لام كي وهي منبئة عن الإرادة والغرض، ولا شبهة في قبح ذلك أولاً وآخراً لأن المدافع إنما يحسن منه المدافعة للظالم طلباً للتخلص من غير أن يقصد إلى قتله، فكأنه قال له : لئن ظلمتني لم أظلمك وإنما قال سبحانه :﴿ مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِىَ ﴾ في جواب ﴿ لَئِن بَسَطتَ ﴾ للمبالغة في أنه ليس من شأنه ذلك ولا ممن يتصف به، ولذلك أكد النفي بالباء ولم يقل وما أنا بقاتل بل قال :﴿ بِبَاسِطٍ ﴾ للتبري عن مقدمات القتل فضلاً عنه، وقدم الجار والمجرور المتعلق ببسطت إيذاناً على ما قيل من أول الأمر برجوع ضرر البسط وغائلته إليه، ويخطر لي أنه قدم لتعجيل تذكيره بنفسه المنجر إلى تذكيره بالأخوة المانعة عن القتل.
وقوله تعالى :﴿ إِنّى أَخَافُ الله رَبَّ العالمين ﴾ تعليل للامتناع عن بسط يده ليقتله، وفيه إرشاد قابيل إلى خشية الله تعالى على أتم وجه، وتعريض بأن القاتل لا يخاف الله تعالى. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٦ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
وقوله :﴿ لئن بسطتّ إليّ يدك لتقتلني ﴾ الخ موعظة لأخيه ليذكّره خطر هذا الجرم الّذي أقدم عليه.
وفيه إشعار بأنّه يستطيع دفاعه ولكنّه منعه منه خوفُ الله تعالى.
والظاهر أنّ هذا اجتهاد من هابيل في استعظام جُرم قتل النّفس، ولو كان القتل دفاعاً.
وقد عَلم الأخوان ما هو القتل بما يعرفانه من ذبح الحيوان والصّيد، فكان القتل معروفاً لهما، ولهذا عزم عليه قابيل، فرأى هابيل للنّفوس حرمة ولو كانت ظالمة، ورأى في الاستسلام لطالب قتله إبقاء على حفظ النّفوس لإكمال مراد الله من تعمير الأرض.
ويمكن أن يكونا تلقّيا من أبيهما الوصاية بحفظ النّفوس صغيرها وكبيرها ولو كان في وقت الدّفاع، ولذلك قال :﴿ إنّي أخاف الله ربّ العالمين ﴾.


الصفحة التالية
Icon