الوجه الثاني في النظم : أنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا ﴿نَحْنُ أَبْنَاء الله وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [ المائدة : ١٨ ] أي نحن أبناء أنبياء الله، فكان افتخارهم بأعمال آبائهم، فقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا ليكن مفاخرتكم بأعمالكم لا بشرف آبائكم وأسلافكم، فاتقوا وابتغوا إليه الوسيلة، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٧٣﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أن مجامع التكليف محصورة في نوعين لا ثالث لهما : أحدهما : ترك المنهيات وإليه الإشارة بقوله ﴿اتقوا الله﴾ وثانيهما : فعل المأمورات، وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿وابتغوا إِلَيهِ الوسيلة﴾ ولما كان ترك المنهيات مقدماً على فعل المأمورات بالذات لا جرم قدمه تعالى عليه في الذكر.
وإنما قلنا : إن الترك مقدم على الفعل لأن الترك عبارة عن بقاء الشيء على عدمه الأصلي، والفعل هو الايقاع والتحصيل، ولا شك أن عدم جميع المحدثات سابق على وجودها ؛ فكان الترك قبل الفعل لا محالة.
فإن قيل : ولم جعلت الوسيلة مخصوصة بالفعل مع أنا نعلم أن ترك المعاصي قد يتوسل به إلى الله تعالى ؟
قلنا : الترك إبقاء الشيء على عدمه الأصلي، وذلك العدم المستمر لا يمكن التوسل به إلى شيء ألبتة فثبت أن الترك لا يمكن أن يكون وسيلة، بل من دعاه داعي الشهوة إلى فعل قبيح، ثم تركه لطلب مرضاة الله تعالى، فهاهنا يحصل الوسل بذلك الامتناع إلى الله تعالى، إلا أن ذلك الامتناع من باب الأفعال، ولهذا قال المحققون : ترك الشيء عبارة عن فعل ضده.