ولما كان عباد الرحمن يمشون على الأرض هوناً، أعلم أن هؤلاء عماد الشيطان بقوله :﴿ويسعون في الأرض﴾ ولما كان هذا ظاهراً في الفساد، صرح به في قوله :﴿فساداً﴾ أي حال كونهم ذوي فساد، أو للفساد، ويجوز أن يكون مصدراً ليسعون - على المعنى، ولما كانت أفعالهم مختلفة، فسم عقوبتهم بحسبها فقال :﴿أن يقتلوا﴾ أي إن كانت جريمتهم القتل فقط، لأن القتل جزاؤه القتل، وزاد - لكونه في قطع الطريق - صيرورته حتماً لا يصح العفو عنه ﴿أو يصلّبوه﴾ أي مع القتل إن ضموا إلى القتل أحد المال، بأن يرفع المصلوب على جذع، ومنهم من قال : يكون ذلك وهو حيّ، فحينئذٍ تمد يداه مع الجذع، والأصح عند الشافعية أنه يقتل ويصلى عليه ثم يرفع على الجذع زمناً يشيع خبره فيه لينزجر غيره، ولا يزاد على ثلاثة أيام ﴿أو تقطّع أيديهم﴾ أي اليمنى بأخذهم المال من غير قتل ﴿وأرجلهم﴾ أي اليسرى لإخافة السبيل، وهذا معنى قوله :﴿من خلاف﴾ أي إن كانت الجريمة أخذ المال فقط ﴿أو ينفوا من الأرض﴾ أي بالإخافة والإزعاج إن لم يقعوا في قبضة الإمام ليكونوا منتقلين من بلد إلى آخر ذعراً وخوفاً، وبالحبس إن وقعوا في القبضة، وكانوا قد كثروا سواد المحاربين وما قتلوا ولا أخذوا مالاً ﴿ذلك﴾ أي النكل الشديد المفصّل إلى ما ذكر ﴿لهم﴾ أي خاصاً بهم ﴿خزي﴾ أي إهانة وذل بإيقاعه بهم ﴿في الدنيا﴾ أي ليرتدع بهم غيرهم ﴿ولهم﴾ أي إن لم يتوبوا ﴿في الآخرة﴾ أي التي هي موطن الفصل بإظهار العدل ﴿عذاب عظيم﴾ أي هو بحيث لا يدخل تحت مَعارِفِكم أكثر من وصفه بالعظم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٤٥١﴾


الصفحة التالية
Icon