وقال سعيد بن جبير :" نزلت في ناس من عرينة وغطفان أتوا رسول اللّه ﷺ وبايعوه على الإسلام وهم كَذَبة وليس الإسلام يريدون. ثم قالوا : إنا نجتوي المدينة لأن أجوافنا انتفخت، وألواننا قد اصفرّت فقال النبي ﷺ " أُخرجوا إلى لقاحنا واشربوا أبوالها وألبانها " فذهبوا وقتلوا الرعاة واستاقوا الإبل. وارتدّوا عن الإسلام فنودي في الناس : يا خيل اللّه اركبي فركبوا لا ينتظر فارس فارساً فخرجوا في طلبهم فجيء بهم. فأمر رسول اللّه ﷺ بقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم بالحرّ حتى ماتوا "، ثم اختلفوا في حكم الآيتين. فقال بعضهم : هي منسوخة لأن المثلة لا تجوز وشرب بول الإبل لا يجوز.
وقال آخرون : حكمه ثابت إلاّ السمل والمثلة. قال الليث بن سعد : نزلت هذه الآية معاتبة لرسول اللّه ﷺ وتعليماً منه إيّاه عقوبتهم فقال :" إنما جزاؤهم هذا " أي المثلة.
ولذلك ما قام رسول اللّه ﷺ خطيباً إلاّ نهى عن المثلة. أ هـ ﴿الكشف والبيان حـ ٤ صـ ﴾

فصل


قال الفخر :
في أول الآية سؤال، وهو أن المحاربة مع الله تعالى غير ممكنة فيجب حمله على المحاربة مع أولياء الله، والمحاربة مع الرسل ممكنة فلفظة المحاربة إذا نسبت إلى الله تعالى كان مجازاً، لأن المراد منه المحاربة مع أولياء الله، وإذا نسبت إلى الرسول كانت حقيقة، فلفظ يحاربون في قوله ﴿إِنَّمَا جَزَاء الذين يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ﴾ يلزم أن يكون محمولاً على المجاز والحقيقة معاً، وذلك ممتنع، فهذا تقرير السؤال.
وجوابه من وجهين :
الأول : أنا نحمل المحاربة على مخالفة الأمر والتكليف، والتقدير : إنما جزاء الذين يخالفون أحكام الله وأحكام رسوله ويسعون في الأرض فساداً كذا وكذا، والثاني : تقدير الكلام إنما جزاء الذين يحاربون أولياء الله تعالى وأولياء رسوله كذا وكذا.


الصفحة التالية
Icon