فاذ كان ما وصفنا من ذلك كالذي وصفنا فبين أن لا بيان أبين ولا حكمة أبلغ ولا منطق أعلى ولا كلام أشرف من بيان ومنطق تحدى به امرؤ قوما في زمان هم فيه رؤساء صناعة الخطب والبلاغة وقيل الشعر والفصاحة والسجع والكهانة على كل خطيب منهم وبليغ وشاعر منهم وفصيح وكل ذي سجع وكهانة فسفه أحلامهم وقصر بعقولهم وتبرأ من دينهم ودعا جميعهم الى اتباعه والقبول منه والتصديق به والإقرار بأنه رسول إليهم من ربهم وأخبرهم أن دلالته على صدق مقالته وحجته على حقيقة نبوته ما أتاهم به من البيان والحكمة والفرقان بلسان مثل ألسنتهم ومنطق موافقة معانيه معاني منطقهم ثم أنبأ جميعهم أنهم عن أن يأتوا بمثل بعضه عجزة ومن القدرة عليه نقصة فأقر جميعهم بالعجز وأذعنوا له بالتصديق وشهدوا على أنفسهم بالنقص إلا من تجاهل منهم وتعامى واستكبر وتعاشى فحاول تكلف ما قد علم أنه عنه عاجز ورام ما قد تيقن أنه عليه غير قادر فأبدى من ضعف عقله ما كان مستترا ومن في لسانه ما كان مصونا فأتى بما لا يعجز عنه الضعيف الأخرق والجاهل الأحمق فقال :( والطاحنات طحنا والعاجنات عجنا فالخابزات خبزا والثاردات ثردا واللاقمات لقما ! ونحو ذلك من الحماقات المشبهة دعواه ا لكاذبة
فإذ كان تفاضل مراتب البيان وتباين درجات الكلام بما وصفنا قبل وكان الله تعالى ذكره وتقدست أسماؤه أحكم الحكماء وأحلم الحلماء كان معلوما أن أبين البيان بيانه وأفضل الكلام كلامه وأن قدر فضل بيانه جل ذكره على بيان جميع خلقه كفضله على جميع عباده


الصفحة التالية
Icon