فاذ كان كذلك وكان غير مبين منا عن نفسه من خاطب غيره بما لا يفهمه عنه المخاطب كان معلوما أنه غير جائز أن يخاطب جل ذكره أحدا من خلقه الا بما يفهمه المخاطب ولا يرسل إلى أحد منهم رسولا برسالة الا بلسان وبيان يفهمه المرسل إليه لأن المخاطب والمرسل إليه ان لم يفهم ما خوطب به وأرسل به اليه فحاله قبل الخطاب وقبل مجيء الرسالة إليه وبعده سواء إذ لم يفده الخطاب والرسالة شيئا كان به قبل ذلك جاهلا والله جل ذكره يتعالى عن أن يخاطب خطابا أو يرسل رسالة لا توجب فائدة لمن خوطب أو أرسلت إليه لأن ذلك فينا من فعل أهل النقص والعبث والله تعالى عن ذلك متعال ولذلك قال جل ثناؤه في محكم تنزيله :﴿وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم﴾
( ابراهيم : ٤ ) وقال لنبيه محمد ﷺ :﴿وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾
( النحل : ٦٤ ) فغير جائز أن يكون به مهتديا من كان بما يهدى إليه جاهلا
فقد تبين إذا بما عليه دللنا من الدلالة أن كل رسول لله جل ثناؤه أرسله إلى قوم فانما أرسله بلسان من أرسله إليه وكل كتاب أنزله على نبي ورسالة أرسلها إلى أمة فانما أنزله بلسان من أنزله أو أرسله إليه فاتضح بما قلنا ووصفنا أن كتاب الله الذي أنزله إلى نبينا محمد ﷺ بلسان محمد ﷺ واذ كان لسان محمد ﷺ عربيا فبين أن القرآن عربي وبذلك أيضا نطق محكم تنزيل ربنا فقال جل ذكره :﴿إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون﴾
( يوسف : ٢ ) وقال :﴿وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين﴾
( الشعراء : ١٩٢ - ١٩٥ )


الصفحة التالية