وقال ابن أبي ليلى : مقدر بخمسة دراهم، وكل واحد من هؤلاء المجتهدين يطعن في الخبر الذي يرويه الآخر، وعلى هذا التقدير فهذه المخصصات صارت متعارضة، فوجب أن لا يلتفت إلى شيء منها، ويرجع في معرفة حكم الله تعالى إلى ظاهر القرآن.
قال : وليس لأحد أن يقول : إن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على أنه لا يجب القطع إلا في مقدار معين.
قال : لأن الحسن البصري كان يوجب القطع بمطلق السرقة، وكان يقول : احذر من قطع يدك بدرهم، ولو كان الإجماع منعقداً لما خالف الحسن البصري فيه مع قربه من زمان الصحابة وشدة احتياطه فيما يتعلق بالدين، فهذا تقرير مذهب الحسن البصري وداود الأصفهاني.
وأما الفقهاء فإنهم اتفقوا على أنه لا بدّ في وجوب القطع من القدر، ثم قال الشافعي رحمه الله : القطع في ربع دينار فصاعداً وهو نصاب السرقة، وسائر الأشياء تقوم به.
وقال أبو حنيفة والثوري : لا يجب القطع في أقل من عشرة دارهم مضروبة، ويقوم غيرها بها.
وقال مالك رحمه الله : ربع دينار أو ثلاثة دراهم.
وقال ابن أبي ليلى : خمسة دراهم.
حجة الشافعي رحمه الله أن ظاهر قوله ﴿والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا﴾ يوجب القطع في القليل والكثير، إلا أن الفقهاء توافقوا فيما بينهم على أنه لا يجب القطع فيما دون ربع دينار، فوجب أن يبقى في ربع دينار فصاعداً على ظاهر النص، ثم أكد هذا بما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال :" لا قطع إلا في ربع دينار ".
وأما الذي تمسك به أبو حنيفة رحمه الله من قوله عليه الصلاة والسلام :" لا قطع إلا في ثمن المجن " فهو ضعيف لوجهين : الأول : أن ثمن المجن مجهول، فتخصيص عموم القرآن بخبر واحد مجمل مجهول المعنى لا يجوز.