احتج المتكلمون بهذه الآية في أنه يجب على الأمة أن ينصبوا لأنفسهم إماماً معيناً والدليل عليه أنه تعالى أوجب بهذه الآية إقامة الحد على السراق والزناة، فلا بدّ من شخص يكون مخاطباً بهذا الخطاب، وأجمعت الأمة على أنه ليس لآحاد الرعية إقامة الحدود على الجناة، بل أجمعوا على أنه لا يجوز إقامة الحدود على الأحرار الجناة إلا للإمام، فلما كان هذا التكليف تكليفاً جازماً ولا يمكن الخروج عن عهدة هذا التكليف إلا عند وجود الإمام، وما لا يتأتى الواجب إلا به، وكان مقدوراً للمكلف، فهو واجب، فلزم القطع بوجوب نصب الإمام حينئذٍ. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٨١﴾

فصل


قال الفخر :
قال المعتزلة : قوله ﴿نكالا مّنَ الله﴾ يدل على أنه إنما أقيم عليه هذا الحد على سبيل الاستخفاف والإهانة، وإذا كان الأمر كذلك لزم القطع بكونه مستحقاً للاستخفاف والذم والإهانة، ومتى كان لأمر كذلك امتنع أن يقال : إنه بقي مستحقاً للمدح والتعظيم، لأنهما ضدان والجمع بينهما محال، وذلك يدل على أن عقاب الكبير يحبط ثواب الطاعات.
واعلم أنا قد ذكرنا الدلائل الكثيرة في بطلان القول بالإحباط في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى :﴿لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى﴾ [ البقرة : ٢٦٤ ] فلا نعيدها ههنا.
ثم الجواب عن كلام المعتزلة أنا أجمعنا على أن كون الحد واقعاً على سبيل التنكيل مشروط بعدم التوبة، فبتقدير أن يدل دليل على حصول العفو من الله تعالى لزم القطع بأن إقامة الحد لا تكون أيضاً على سبيل التنكيل، بل تكون على سبيل الامتحان، لكنا ذكرنا الدلائل الكثيرة على العفو. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٨١ ـ ١٨٢﴾

فصل


قال الفخر :
قالت المعتزلة : قوله ﴿جَزَاء بِمَا كَسَبَا نكالا مّنَ الله﴾ يدل على تعليل أحكام الله، فإن الباء في قوله ﴿بِمَا كَسَبَا﴾ صريح في أن القطع إنما وجب معللاً بالسرقة.


الصفحة التالية
Icon