قال الزجاج : أصله من سحته إذا استأصله، قال تعالى :﴿فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ﴾ [ طه : ٦١ ] وسميت الرشا التي كانوا يأخذونها بالسحت إما لأن الله تعالى يسحتهم بعذاب، أي يستأصلهم، أو لأنه مسحوت البركة، قال تعالى :﴿يَمْحَقُ الله الربا﴾ [ البقرة : ٢٧٦ ] الثاني : قال الليث : إنه حرام يحصل منه العار، وهذا قريب من الوجه الأول لأن مثل هذا الشيء يسحت فضيلة الإنسان ويستأصلها، والثالث : قال الفرّاء : أصل السحت شدة الجوع، يقال رجل مسحوت المعدة إذا كان أكولاً لا يلقى إلا جائعاً أبداً، فالسحت حرام يحمل عليه شدة الشره كشره من كان مسحوت المعدة، وهذا أيضاً قريب من الأول، لأن من كان شديد الجوع شديد الشره فكأنه يستأصل كل ما يصل إليه من الطعام ويشتهيه.
إذا عرفت هذا فنقول : السحت الرشوة في الحكم ومهر البغي وعسب الفحل وكسب الحجام وثمن الكلب وثمن الخمر وثمن الميتة وحلوان الكاهن والاستئجار في المعصية : روي ذاك عن عمر وعثمان وعلي وابن عباس وأبي هريرة ومجاهد، وزاد بعضهم، ونقص بعضهم، وأصله يرجع إلى الحرام الخسيس الذي لا يكون فيه بركة، ويكون في حصوله عار بحيث يخفيه صاحبه لا محالة، ومعلوم أن أخذ الرشوة كذلك، فكان سحتاً لا محالة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٨٦﴾
فائدة
قال الثعلبى :
روى أبو عقيل عن الحسن : في قوله :﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ﴾ قال : تلك الحكام تسمع كذبه وتأكل رشوة.
وعنه في غير هذه الرواية. قال : كان الحاكم منهما إذا أتى أحد برشوته جعلها [ بين يديه فينظر إلى صاحبها ويتكلم معه ] ويسمع منه ولا ينظر إلى خصمه فيأكل الرشوة ويسمع الكذب، وعنه أيضاً قال : إنما ذلك في الحكم إذا رشوته ليحق لك باطلاً أو يبطل عنك حقّاً فأما أن يعطي الرجل الوالي يخاف ظلمه شيئاً ليدرأ به عن نفسه فلا بأس.
والسحت هو الرشوة في الحكم على قول الحسن. ومقاتل وقتادة والضحّاك والسدّي.


الصفحة التالية
Icon