ويكون مَا وقع في حديث "الموطأ" والبخاري : أنّ الرجل والمرأة رُجما، إنّما هو بحكم أحبارهم.
ويحتمل أنّ الله أمره أن يحكُم بينهم بما في التّوراة لأنّه يوافق حكم الإسلام ؛ فقد حكم فيه بالرجم قبل حدوث هذه الحادثة أو بعدها.
ويحتمل أنّ الله رخّص له أن يحكم بينهم بشرعهم حين حكَّموه.
وبهذا قال بعض العلماء فيما حكاه القرطبي.
وقائل هذا يقول : هذا نُسخ بقوله تعالى :﴿ وأن احكم بينهم بما أنزل الله ﴾ [ المائدة : ٤٩ ]، وهو قول جماعة من التّابعين.
ولا داعي إلى دعوى النسخ، ولعلّهم أرادوا به ما يشمل البيان، كما سنذكره عند قوله :﴿ فاحكم بينهم بما أنزل الله ﴾ [ المائدة : ٤٨ ].
والّذي يستخلص من الفقه في مسألة الحكم بين غير المسلمين دون تحكيم : أنّ الأمّة أجمعت على أنّ أهل الذمّة داخلون تحت سلطان الإسلام، وأنّ عهود الذمّة قضت بإبقائهم على ما تقتضيه مللهم في الشؤون الجارية بين بعضهم مع بعض بما حددتْ لهم شرائعهم.
ولذلك فالأمور الّتي يأتونها تنقسم إلى أربعة أقسام:
القسم الأوّل : ما هو خاصّ بذات الذمّيّ من عبادته كصلاته وذبحه وغيرها ممّا هو من الحلال والحرام.
وهذا لا اختلاف بين العلماء في أنّ أئمّة المسلمين لا يتعرّضون لهم بتعطيله إلاّ إذا كان فيه فساد عامّ كقتل النّفس.
القسم الثّاني : ما يجري بينهم من المعاملات الراجعة إلى الحلال والحرام في الإسلام، كأنواع من الأنكحة والطلاق وشرب الخمر والأعمال الّتي يستحلّونها ويحرّمها الإسلام.
وهذه أيضاً يقرّون عليها، قال مالك : لا يقام حَدّ الزنا على الذميّين، فإن زنى مسلم بكتابية يحدّ المسلم ولا تحدّ الكتابية.
قال ابن خُويز منداد : ولا يُرسل الإمام إليهم رسولاً ولا يُحضِر الخصمَ مجلسه.
القسم الثّالث : ما يتجاوزهم إلى غيرهم من المفاسد كالسرقة والاعتداء على النفوس والأعراض.