﴿ وَكَيْفَ يُحَكّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التوراة فِيهَا حُكْمُ الله ﴾ تعجيب من تحكيمهم من لا يؤمنون به، والحال أن الحكم منصوص عليه في كتابهم الذي يدعون الإيمان به، وتنبيه على أن ذلك التحكيم لم يكن لمعرفة الحق وإنما هو لطلب الأهون، وإن لم يكن ذلك حكم الله تعالى بزعمهم فقوله سبحانه :﴿ وَعِندَهُمُ التوراة ﴾ حال من فاعل ﴿ يُحَكّمُونَكَ ﴾، وقوله تعالى :﴿ فِيهَا حُكْمُ الله ﴾ حال من التوراة إن جعلت مرتفعة بالظرف وكون ذلك ضعيفاً لعدم اعتماد الظرف سهو لأنه معتمد كما قال السمين على ذي الحال لكن قال : جعل التوراة مرفوعاً بالظرف المصدّر بالواو محل نظر، ، ولعل وجهه أنها تجعله جملة مستقلة غير معتمدة، أو أنه لا يقرن بالواو، وإن جعلت مبتدأ فهو حال من ضميرها المستكن في الخبر لأنه لا يصح مجىء الحال من المبتدأ عن سيبويه.
وقيل : استئناف مسوق لبيان أن عندهم ما يغنيهم عن التحكيم، وأنثت التوراة معاملة لها بعد التعريب معاملة الأسماء العربية الموازنة لها كموماة ودوداة. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٦ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
الاستفهام للتعجيب، ومحلّ العجب مضمون قوله :﴿ ثمّ يتولّون من بعد ذلك ﴾، أي من العجيب أنّهم يتركون كتابهم ويحكّمونك وهم غير مؤمنين بك ثُمّ يتولّون بعد حكمك إذا لم يرضهم.
فالإشارة بقوله :﴿ من بعد ذلك ﴾ إلى الحكم المستفاد من ﴿ يُحكّمونك ﴾، أيّ جمعوا عدم الرضى بشرعهم وبحكمك.
وهذه غاية التّعنّت المستوجبة للعجب في كلتا الحالتين، كما وصف الله حال المنافقين في قوله :﴿ وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحقّ يأتوا إليه مذعنين ﴾ [ النور : ٤٨، ٤٩ ].
ويحتمل أنّ الاستفهام إنكاري، أي هم لا يحكّمونك حقّاً.


الصفحة التالية
Icon