ومحلّ الإنكار هو أصل ما يدلّ عليه الفعل من كون فاعله جادّاً، أي لا يكون تحكيمهم صَادقاً بل هو تحكيم صوري يبتغون به ما يوافق أهواءهم، لأنّ لديهم التّوراة فيها حكم مَا حَكَّموك فيه، وهو حكم الله، وقد نبذوها لعدم موافقتها أهواءهم، ولذلك قدّروا نبذ حكومتك إن لم توافق هواهم، فما هم بمحكِّمين حقيقة.
فيكون فعل ﴿ يحكّمونك ﴾ مستعملاً في التظاهر بمعنى الفعل دون وقوعه، كقوله تعالى :﴿ يحْذر المنافقون أن تنزّل عليهم سورة تنبّئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا ﴾ [ التوبة : ٦٤ ] الآية.
ويجوز على هذا أن تكون الإشارة بقوله :﴿ من بعد ذلك ﴾ إلى مجموع ما ذكر، وهو التّحكيم، وكون التّوراة عندهم، أي يتولّون عن حكمك في حال ظهور الحجّة الواضحة، وهي موافقة حكومتك لحكم التّوراة.
وجملة ﴿ وما أولئك بالمؤمنين ﴾ في موضع الحال من ضمير الرفع في ﴿ يحكّمونك ﴾.
ونفي الإيمان عنهم مع حذف متعلّقه للإشارة إلى أنّهم ما آمنوا بالتّوراة ولا بالإسلام فكيف يكون تحكيمهم صادقاً.
وضمير ﴿ فيها ﴾ عائد إلى التّوراة، فتأنيثه مراعاة لاسم التّوراة وإن كان مسمّاها كتاباً ولكن لأنّ صيغة فعلاة معروفة في الأسماء المؤنّثة مثل مَومَاة.
وتقدّم وجه تسمية كتابهم توراة عند قوله تعالى :﴿ وأنزل التّوراة والإنجيل ﴾ في سورة آل عمران ( ٣ ). أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٥ صـ ﴾
سؤالان :
السؤال الأول : قوله ﴿فِيهَا حُكْمُ الله﴾ ما موضعه من الإعراب ؟
الجواب : إما أن ينصب حالاً من التوراة، وهي مبتدأ خبرها ﴿عِندَهُمُ﴾ وإما أن يرتفع خبراً عنها كقولك : وعندهم التوراة ناطقة بحكم الله تعالى، وإما أن لا يكون له محل ويكون المقصود أن عندهم ما يغنيهم عن التحكيم، كما تقول : عندك زيد ينصحك ويشير عليك بالصواب فما تصنع بغيره ؟
السؤال الثاني : لم أنث التوراة ؟
والجواب : الأمر فيه مبني على ظاهر اللفظ. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٨٧﴾