بهذا الوصف بعد ذكر أنه قد اشتمل على هدى ونور هو استمرار الهدى له، وللإشارة إلى أنه منزل من عند الله تعالى، وهو بهذا الوصف يكون فيه دلالة ذاتية على الحق، ولأنه بشارة بنبى يرسل من بعد عيسى اسمه أحمد، وكان الهدى فى هذا المقام وصفا ذاتيا ؟ لأنه مأخوذ من اسمه ؟ إذ إن الإنجيل معناه البشارة، ولعله سمى إنجيلا، لأنه الكتاب المنزل الذى كان فيه البشارة المباشرة بمحمد ( ﷺ )
وبعبارات إن لم تكن صريحة فهى واضحة كالصريحة.
والخاصة الخامسة - أنه " موعظة للمتقين " والموعظة هى التذكير بما يرق له القلب، وتصفو به النفس ويستقيم به العمل، فقد قال الخليل بن أحمد فى تفسير الوعظ :(هو التذكير بما يرق له القلب) والإنجيل كان كذلك، لأنه توجيه بنى إسرائيل ومن كان على شاكلتهم من الماديين الذين أركستهم المادة واستولت على قلوبهم - إلى الحياة الروحية، والتهذيب النفسى، وجعل الروح هى المسيطرة من غير ترك لحظوظ الدنيا المباحة التى لا تستغرق النفس.
ومن أجل ذلك وصف بأنه موعظة، ولكن لا يستفيد منه إلا الذين امتلأت نفوسهم بالخوف ورجاء ما عند الله، وهم طالبو الحق المهتدون، لأنهم هم الذين يستفيدون من العلم الذى يلقى، فالنفوس أقسام ثلاثة : قسم يطلب الحق، ويثمر فيه بيانه، وقسم يجمد على ما عنده، ويكون صلدا لا ينفذ العلم إلى قلبه، إذ تحول بينه وبينه غشاوة من الباطل فهو أغلف، وقسم متردد حائر، تسيره الأجواء التى تحكمه وتسيطر عليه، ولا شك أن الذى يستفيد من المواعظ هو طالبها المتقبل لها، الذى تتشبع نفسه منها، وأولئك هم المتقون، وأما القسم الثالث، فإنه ترجى له الهداية رجاء غير محقق، وإن مثل العلم النافع لمثل الغيث لا ينتفع منه إلا الأرض الطيبة التى تخرج نباتها بإذن ربها، والعلم لا ينتفع به إلا القلوب الطاهرة التى لم ترنقها أغراض الدنيا وأهواؤها. أ هـ ﴿زهرة التفاسير صـ ٢٢١٨ ـ ٢٢٢٠﴾