فائدة
قال الطبرى :
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال : عني به :" فمن تصدّق به فهو كفارة له "، المجروحَ فلأن تكون " الهاء " في قوله :" له " عائدةً على " مَنْ "، أولى من أن تكون مِنْ ذِكْر من لم يجر له ذكر إلا بالمعنى دون التصريح، وأحرَى، إذ الصدقة هي المكفِّرة ذنبَ صاحبها دون المتصدَّق عليه في سائر الصدقات غير هذه، فالواجب أن يكون سبيلُ هذه سبيلَ غيرها من الصدَّقات.
فإن ظنّ ظانّ أن القِصاصَ إذْ كان يكفّر ذنب صاحبه المقتصّ منه الذي أتاه في قتل من قتله ظلمًا، لقول النبي ﷺ إذ أخذ البيعة على أصحابه " أن لا تقتلوا ولا تزنُوا ولا تسرقوا " ثم قال :" فمن فَعَل من ذلك شيئًا فأقيم عليه حدُّه فهو كفارته " فالواجب أن يكونَ عفوُ العافي المجنيِّ عليه، أو ولي المقتول عنه نظيرَه، في أن ذلك له كفارة. فإن ذلك لو وجب أن يكون كذلك، لوجب أن يكون عفوُ المقذوفِ عن قاذفه بالزنا، وتركِه أخذه بالواجب له من الحدِّ، وقد قذفه قاذِفُه وهو عفيفٌ مسلم مُحْصَن، كفَّارةً للقاذف من ذنبه الذى ركبه، ومعصيته التي أتاها. وذلك ما لا نعلم قائلا من أهل العلم يقوله.
فإذْ كان غير جائز أن يكون تركُ المقذوف الذي وصفنا أمره أخذَ قاذفه بالواجب له من الحدّ كفارةً للقاذف من ذنبه الذي ركبه، كان كذلك غير جائز أن يكون ترك المجروح أخذَ الجارح بحقِّه من القصاص، كفَّارةً للجارح من ذنبه الذي ركبه.
فإن قال قائل : أو ليس للمجروح عندك أخْذُ جارحه بدية جرحه مكانَ القِصاص ؟
قيل له : بلى!
فإن قال : أفرأيت لو اختار الدّية ثم عفا عنها، أكانت له قِبَله في الآخرة تَبِعةٌ ؟


الصفحة التالية
Icon