وقوله سبحانه :﴿ أَفَحُكْمَ الجاهلية يَبْغُونَ ﴾ إنكار وتعجيب من حالهم وتوبيخ لهم، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام، أي أيتولون عن قبول حكمك بما أنزل الله تعالى إليك فيبغون حكم الجاهلية؟ وقيل : محل الهمزة بعد الفاء، وقدمت أن لها الصدارة، وتقديم المفعول للتخصيص المفيد لتأكيد الإنكار والتعجب لأن التولي عن حكم رسول الله ﷺ وطلب حكم آخر منكر عجيب، وطلب حكم الجاهلية أقبح وأعجب، والمراد بالجاهلية الملة الجاهلية التي هي متابعة الهوى الموجبة للميل والمداهنة في الأحكام، أو الأمة الجاهلية، وحكمهم : ما كانوا عليه من التفاضل فيما بين القتلى، وقيل : الكلام على حذف مضاف أي أهل الجاهلية، وحكمهم : ما ذكر، فقد روي أن بني النضير لما تحاكموا إلى رسول الله ﷺ في خصومة قتيل وقعت بينهم وبين بني قريظة طلب بعضهم من رسول الله ﷺ أن يحكم بينهم بما كان عليه أهل الجاهلية من التفاضل، فقال عليه الصلاة والسلام :" القتلى بواء فقال بنو النضير : نحن لا نرضى بذلك " فنزلت، وقرأ ابن عامر تبغون بالتاء، وهي إما على الالتفات لتشديد التوبيخ، وإما بتقدير القول أي قل لهم أفحكم الخ، وقرأ ابن وثاب والأعرج وأبو عبد الرحمن وغيرهم ﴿ أَفَحُكْمَ ﴾ بالرفع على أنه مبتدأ، و﴿ يَبْغُونَ ﴾ خبره، والعائد محذوف، وقيل : الخبر محذوف، والمذكور صفته أي حكم يبغون، واستضعف حذف العائد من الخبر، وذكر ابن جني أنه جاء الحذف منه كما جاء الحذف من الصلة والصفة كقوله :
قد أصبحت أم الخيار تدّعي...
عليّ ذنباً كله لم أصنع