وطعن في هذا القول لوجود الواو في ومهيمناً، لأنها عطف على مصدّقاً، ومصدّقاً حال من الكتاب لا حال من الكاف، إذ لو كان حالاً منها لكان التركيب لما بين يديك بكاف الخطاب، وتأويله على أنه من الالتفات من الخطاب إلى الغيبة بعيد عن نظم القرآن، وتقديره : وجعلناك يا محمد مهيمناً عليه أبعد.
وأنكر ثعلب قول المبرد وابن قتيبة أنّ أصله مؤتمن.
﴿ فاحكم بينهم بما أنزل الله ﴾ ظاهره أنه أمر أن يحكم بما أنزل الله، وتقدم قول من قال : إنها ناسخة لقوله :﴿ أو أعرض عنهم ﴾ وقول الجمهور : إنْ اخترت أن تحكم بينهم بما أنزل الله، وهذا على قول من جعل الضمير في بينهم عائداً على اليهود، ويكون على قول الجمهور أمر ندب، وإن كان الضمير للمتحاكمين عموماً، فالخطاب للوجوب ولا نسخ.
﴿ ولا تتبع أهواءهم ﴾ أي لا توافقهم في أغراضهم الفاسدة من التفريق في القصاص بين الشريف والوضيع، وغير ذلك من أهوائهم التي هي راجعة لغير الدين والشرع.
﴿ عما جاءك من الحّق ﴾ الذي هو القرآن.
وضمن تتبع معنى تنحرف، أو تنصرف، فلذلك عدي بعن أي : لا تنحرف أو تتزحزح عما جاءك متبعاً أهواءهم، أو بسبب أهوائهم.
وقال أبو البقاء : عما جاءك في موضع الحال أي : عادلاً عما جاءك، ولم يضمن تتبع معنى ما تعدى بعن، وهذا ليس بجيد.
لأنّ عن حرف ناقص لا يصلح أن يكون حالاً من الجنة، كما لا يصلح أن يكون خبراً، وإذا كان ناقصاً فإنه يتعدى بكون مقيد لا بكون مطلق، والكون المقيد لا يجوز حذفه.
﴿ لكلّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ﴾ الظاهر أنّ المضاف إليه كل المحذوف هو : أمة أي : لكل أمّة.
والخطاب في منكم للناس أي : أيها الناس لليهود شرعة ومنهاج، وللنصارى كذلك، قاله : عليّ، وقتادة والجمهور، ويعنون في الأحكام.
وأما المعتقد فواحد لجميع العالم توحيد، وإيمان بالرسل، وكتبها وما تضمنته من المعاد، والجزاء الأخروي.