وقد ذكر تعالى جماعة من الأنبياء شرائعهم مختلفة ثم قال :﴿ أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ﴾ والمعنى في المعتقدات.
وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون المراد الأنبياء، لا سيما وقد تقدم ذكرهم وذكر ما أنزل عليهم، وتجيء الآية مع هذا الاحتمال تنبيهاً لمحمد ﷺ أي : فاحفظ شرعك ومنهاجك لئلا تستزلك اليهود وغيرهم في شيء منه انتهى.
فيكون المحذوف المضاف إليه لكلّ نبي، أي : لكل نبيّ منكم أيها الأنبياء.
والشرعة والمنهاج لفظان لمعنى واحد أي : طريقاً، وكرر للتوكيد كما قال الشاعر :
وهند أتى من دونها النأي والبعد...
وقال ابن عباس والحسن وغيرهما : سبيلاً وسنة.
وقال مجاهد : الشرعة والمنهاج دين محمد ﷺ، فيكون المعنى لكل منكم أيها الناس جعلنا هذا الدين الخالص فاتبعوه، والمراد بذلك إنّا أمرناكم باتباع دين محمد إذ هو ناسخ للأديان كلها.
وقال المبرد : الشرعة ابتداء الطريق، والمنهاج الطريق المستمر.
وقال ابن الأنباري : الشرعة الطريق الذي ربما كان واضحاً وغير واضح، والمنهاج لا يكون إلا واضحاً.
وقيل : الشرعة الدين، والمنهاج الدليل.
وقيل : الشرعة النبي، والمنهاج الكتاب.
قال ابن عطية : والمنهاج بناء مبالغة من النهج، ويحتمل أن يراد بالشرعة الأحكام، وبالمنهاج المعتقد أي هو واحد في جميعكم، وفي هذا الاحتمال بعد انتهى.
قيل : وفي هذا دليل على أنا غير متعبدين بشرائع من قبلنا.
وقرأ النخعي وابن وثاب : شَرعة بفتح الشين، والظاهر أنّ جعلنا بمعنى صيرنا، ومفعولها الثاني هو لكل، ومنكم متعلق بمحذوف تقديره : أعني منكم.
قال أبو البقاء : ولا يجوز أن يكون منكم صفة لكل، لأنَّ ذلك يوجب الفصل بين الصفة والموصوف بالأجنبي الذي لا تشديد فيه للكلام، ويوجب أيضاً أن يفصل بين جعلتا وبين معمولها وهو شرعة انتهى.
فيكون في التركيب كقولك : من كل ضربت تميمي رجلاً، وهو لا يجوز.


الصفحة التالية
Icon