وأصل الفتنة الاختبار حسبما تقدّم، ثم يختلف معناها ؛ فقوله تعالى هنا "يَفْتِنُوكَ" معناه يصدّوك ويردّوك ؛ وتكون الفتنة بمعنى الشِّرْك ؛ ومنه قوله :﴿ والفتنة أَكْبَرُ مِنَ القتل ﴾ [ البقرة : ٢١٧ ] وقوله :﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾ [ البقرة : ١٩٣ ].
وتكون الفتنة بمعنى العِبرة ؛ كقوله :﴿ لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ [ الممتحنة : ٥ ] و﴿ لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظالمين ﴾ [ يونس : ٨٥ ] وتكون الفتنة الصدّ عن السبيل كما في هذه الآية.
وتكرير ﴿ وَأَنِ احكم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ الله ﴾ للتأكيد، أو هي أحوال وأحكام أمره أن يحكم في كل واحد بما أنزل الله.
وفي الآية دليل على جواز النسيان على النبي ﷺ ؛ لأنه قال :" أَنْ يَفْتِنُوكَ " وإنما يكون ذلك عن نسيان لا عن تعمد.
وقيل : الخطاب له والمراد غيره.
وسيأتي بيان هذا في "الأنعام" إن شاء الله تعالى.
ومعنى ﴿ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ الله إِلَيْكَ ﴾ عن كل ما أنزل الله إليك.
والبعض يستعمل بمعنى الكل ؛ قال الشاعر :
أو يَعْتَبِطْ بعضَ النّفوسِ حِمامُها...
ويُروى "أو يَرتَبِطْ".
أراد كل النفوس ؛ وعليه حملوا قوله تعالى :﴿ وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الذي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ﴾ [ الزخرف : ٦٣ ] قال ابن العربي : والصحيح أن "بعض" على حالها في هذه الآية، وأن المراد به الرجم أو الحكم الذي كانوا أرادوه ولم يقصدوا أن يفتِنوه عن الكل. والله أعلم. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon