ولما كانت محبته أصل كل سعادة قدمها فقال :﴿يحبهم﴾ فيثبتهم عليه ويثيبهم بكرمه أحسن الثواب ﴿ويحبونه﴾ فيثبتون عليه، ثم وصفهم بما يبين ذلك فقال :﴿أذلة﴾ وهو جمع ذليل ؛ ولما كان ذلهم هذا إنما هو الرفق ولين الجانب لا الهوان، كان في الحقيقة عزاً، فأشار إليه بحرف الاستعلاء مضمناً له معنى الشفقة، فقال مبيناً أن تواضعهم عن علو منصب وشرف :﴿على المؤمنين﴾ أي لعلمهم أن الله يحبهم ﴿أعزة على الكافرين﴾ أي يظهرون الغلظة والشدة عليهم لعلهم أن الله خاذلهم ومهلكهم وإن اشتد أمرهم وظهر علوهم وقهرهم، فالآية من الاحتباك : حذف أولاً البغض وما يثمره لدلالة الحب عليه، وحذف ثانياً الثبات لدلالة الردة عليه ؛ ثم علل ذلك بقوله :﴿يجاهدون﴾ أي يوقعون الجهاد على الاستمرار لمن يستحقه من غير ملال ولا تكلف كالمنافقين، وحذف المفعول تعميماً ودل عليه مؤذناً بأن الطاعة محيطة بهم فقال :﴿في سبيل الله﴾ أي طريق الملك الأعظم الواسع المستقيم الواضح، لا لشيء غير ذلك كالمنافقين.
ولما كان المنافقون يخرجون في الجهاد، فصلهم منهم بقوله :﴿ولا﴾ أي والحال أنهم لا ﴿يخافون لومة﴾ أي واحدة من لوم ﴿لائم﴾ وإن كانت عظيمة وكان هو عظيماً، فبسبب ذلك هم صلاب في دينهم إذا شرعوا في أمر من أمور الدين - أمر بالمعروف أو نهي عن منكر - كانوا كالمسامير المحماة، لا يروِّعهم قول قائل ولا اعتراض معترض، ويفعلون في الجهاد في ذلك جميع ما تصل قدرتهم وتبلغ قوتهم إليه من إنكال الأعداء وإهانتهم ومناصرة الأولياء ومعاضدتهم، وليسوا كالمنافقين يخافون لومة أوليائهم من اليهود فلا يفعلون وإن كانوا مع المؤمنين شيئاً ينكيهم.


الصفحة التالية
Icon