قوله تعالى ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين﴾
قال الفخر :
﴿أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين﴾
هو كقوله ﴿أَشِدَّاء عَلَى الكفار رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾ [ الفتح : ٢٩ ]
قال صاحب "الكشاف" أذلة جمع ذليل، وأما ذلول فجمعه ذلل، وليس المراد بكونهم أذلة هو أنهم مهانون، بل المراد المبالغة في وصفهم بالرفق ولين الجانب، فإن من كان ذليلاً عند إنسان فإنه ألبتة لا يظهر شيئاً من التكبر والترفع، بل لا يظهر إلا الرفق واللين فكذا ههنا، فقوله ﴿أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين﴾ أي يظهرون الغلطة والترفع على الكافرين.
وقيل : يعازونهم أي يغالبونهم من قولهم : عزه يعزه إذا غلبه، كأنهم مشددون عليهم بالقهر والغلبة.
فإن قيل : هلا قيل : أذلة للمؤمنين أعزة على الكافرين.
قلنا : فيه وجهان : أحدهما : أن يضمن الذل معنى الرحمة والشفقة، كأنه قيل : راحمين عليهم مشفقين عليهم على وجه التذلل والتواضع، والثاني : أنه تعالى ذكر كلمة ﴿على﴾ حتى يدل على علو منصبهم وفضلهم وشرفهم، فيفيد أن كونهم أذلة ليس لأجل كونهم ذليلين في أنفسهم، بل ذاك التذلل إنما كان لأجل أنهم أرادوا أن يضموا إلى علو منصبهم فضيلة التواضع. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ٢١ ـ ٢٢﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين ﴾ "أَذِلَّة" نعت لقوم، وكذلك ﴿ أَعِزَّةٍ ﴾ أي يرأفون بالمؤمنين ويرحمونهم ويلينون لهم ؛ من قولهم : دابّة ذلول أي تنقاد سهلة، وليس من الذلّ في شيء.
ويغلِظون على الكافرين ويعادونهم.
قال ابن عباس : هم للمؤمنين كالوالد لِلولد والسيد للعبد، وهم في الغلظة على الكفار كالسبعُ على فريسته ؛ قال الله تعالى :﴿ أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [ الفتح : ٢٩ ].
ويجوز "أَذِلَّة" بالنصب على الحال ؛ أي يحبهم ويحبونه في هذا الحال، وقد تقدّمت معنى محبة الله تعالى لعباده ومحبتهم له. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon