قال القاضي أبو محمد : ويظهر أن هذا التقسيم إنما هو لأن الفتح الموعود به هو ما يتركب على سعي النبي وأصحاب ويسببه جدهم وعملهم، فوعد الله تعالى إما بفتح بمقتضى تلك الأفعال وإما بأمر من عنده يهلك أعداء الشرع هو أيضاً فتح لا يقع للبشر فيه تسبيب، وقوله تعالى :﴿ فيصبحوا ﴾ معناه يكونون كذلك طول دهرهم، وخص الإصباح بالذكر لأن الإنسان في ليله مفكر متستر، فعند الصباح يرى بالحالة التي اقتضتها فكره أو أمراضه ونحو ذلك ومنه قول الشاعر :
أصبحت لا أحمل السلاح... إلى غير هذا من الأمثلة، والذي أسروه هو ما ذكرناه من التمرس بالنبي ﷺ وإعداد اليهود للثورة عليه يوماً ما، وقرأ ابن الزهري " فيصبح الفساق على ما أسروا في أنفسهم نادمين ". أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ فَتَرَى الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ شك ونفاق، وقد تقدّم في "البقرة" والمراد ابن أبي وأصحابه ﴿ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ ﴾ أي في موالاتهم ومعاونتهم.
﴿ يَقُولُونَ نخشى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ ﴾ أي يدور الدهر علينا إمّا بقحط فلا يَميروننا ولا يُفْضِلوا علينا، وإمّا أن يظفر اليهود بالمسلمين فلا يدوم الأمر لمحمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا القول أشبه بالمعنى ؛ كأنه من دارت تدور، أي نخشى أن يدور الأمر ؛ ويدل عليه قوله عز وجل :﴿ فَعَسَى الله أَن يَأْتِيَ بالفتح ﴾ ؛ وقال الشاعر :
يردّ عنك القَدَر المقدورا...
ودائراتِ الدهر أن تَدورا
يعني دول الدهر الدائرة من قوم إلى قوم.
واختلف في معنى الفتح ؛ فقيل : الفتح الفصل والحكم ؛ عن قَتَادة وغيره.
قال ابن عباس : أتى الله بالفتح فقُتِلت مُقاتِلة بني قُرَيظة وسُبيت ذراريهم وأُجْلَي بنو النَّضِير.
وقال أبو علي : هو فتح بلاد المشركين على المسلمين.
وقال السّدي : يعني بالفتح فتحَ مكة.
﴿ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ ﴾ قال السّدي : هو الجزية.
الحسن : إظهار أمر المنافقين والإخبار بأسمائهم والأمر بقتلهم.
وقيل : الخصب والسّعة للمسلمين.
﴿ فَيُصْبِحُواْ على مَآ أَسَرُّواْ في أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴾ أي فيصبحوا نادمين على توليهم الكفار إذا رأوا نصر الله للمؤمنين، وإذا عاينوا عند الموت فبُشّروا بالعذاب. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾