الْيَهُودِ لَهُمْ إِذَا هُمْ قَاتَلُوا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْأَبْلَغُ أَنْ تَكُونَ لِلْوَصْفِ الْمُطْلَقِ ; أَيْ إِنَّهُمْ لِتَمَكُّنِهِمْ فِي الدِّينِ، وَرُسُوخِهِمْ فِي الْإِيمَانِ لَا يَخَافُونَ لَوْمَةً مَا مِنْ أَفْرَادِ اللَّوْمِ أَوْ أَنْوَاعِهِ مِنْ لَائِمٍ مَا كَائِنًا مَنْ كَانَ ; لِأَنَّهُمْ لَا يَعْمَلُونَ الْعَمَلَ رَغْبَةً فِي جَزَاءٍ أَوْ ثَنَاءٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَا خَوْفًا مِنْ مَكْرُوهٍ يُصِيبُهُمْ مِنْهُمْ ; فَيَخَافُونَ لَوْمَ هَذَا أَوْ ذَاكَ، وَإِنَّمَا يَعْمَلُونَ الْعَمَلَ لِإِحْقَاقِ الْحَقِّ، وَإِبْطَالِ الْبَاطِلِ، وَتَقْرِيرِ الْمَعْرُوفِ، وَإِزَالَةِ الْمُنْكِرِ ; ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ تَعَالَى بِتَزْكِيَةِ أَنْفُسِهِمْ وَتَرْقِيَتِهَا.
(ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ) أَيْ ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرَ مِنَ الصِّفَاتِ السِّتِّ فَضْلُ اللهِ يُعْطِيهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، فَيَفْضُلُونَ غَيْرَهُمْ بِهِ، وَبِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَقَدْ بَيَّنَّا مِرَارًا أَنَّ مَشِيئَتَهُ، سُبْحَانَهُ، لِمِثْلِ هَذَا الْفَضْلِ، تَجْرِي بِحَسَبِ سُنَّتِهِ الَّتِي أَقَامَ بِهَا أَمْرَ النِّظَامِ فِي خَلْقِهِ، فَمِنْهُمُ الْكَسْبُ وَالْعَمَلُ النَّفْسِيُّ وَالْبَدَنِيُّ، وَمِنْهُ سُبْحَانَهُ آلَاتُ الْكَسْبِ وَالْقُوَى الْبَدَنِيَّةُ وَالْعَقْلِيَّةُ، وَالتَّوْفِيقُ وَالْهِدَايَةُ الْخَاصَّةُ، وَاللُّطْفُ وَالْمَعُونَةُ (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَغْفَلَ عَنْ فَضْلِهِ وَمِنَّتِهِ، وَمَا يَقْتَضِيهِ مِنْ شُكْرِهِ وَعِبَادَتِهِ.