لقد مسته العناية، فقد دخل - أولاً - بكفره وخرج - ثانياً - بعميق الإيمان. لكن هؤلاء دخلوا بالكفر وخرجوا بالكفر، كأن الدخول كان نفاقاً، بدليل قوله الحق :﴿ والله أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ ﴾ وهذا القول دليل نفاقهم، فقد أعلنوا الإيمان لكنهم دخلوا بالكفر وخرجوا بالكفر. وكانوا يكتمون أن الدخول إلى رسول الله هو محض نفاق. وهذه خاصية لمن قالوا آمنا، ولكان كان دخولهم إلى الإسلام نفاقاً ؛ لأن كفرهم أمر مستقر في قلوبهم لا يتزحزح، وكان يكفي في الأسلوب أن يقول الحق : وقد دخلوا بالكفر وخرجوا به، ولكنه قال :" وهم " وذلك تحديداً لهويتهم الكافرة، فكأن عملية الدخول بالكفر والخروج بالكفر هي عملية مسبقة ؛ لذلك يكشفهم الحق :﴿ والله أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ ﴾.
وجاء سبحانه بأفعل التفضيل " أعلم " فكأن رسول الله ﷺ من إشراقات الله عليه وتنويره له كان يعلم أيضاً أنهم منافقون. ولكن علم رسول الله ﷺ لم يصل إلى علم الحق سبحانه وتعالى فعلم الله ذاتي وعلم رسوله فيض منه - سبحانه -.
إذن فقوله الحق :﴿ والله أَعْلَمُ ﴾ لم يمنع أن هناك أناساً قد علموا أنهم منافقون. وقد استقر في ذهن النبي أنهم منافقون وأن الله أعلم بما كانوا يكتمون. والكتم هو حبس الإحساس النفسي أن يخرج وأن يظهر واضحاً، ومحاولة الكتم عملية غير طبيعية لأنها قسرية. ويكاد كفرهم أن يظهر ويخرج فيحاولون أن يكتموه لأنهم يحرصون ألا ينكشفوا، ولكن علم الله لا تخفى عليه خافية. أ هـ ﴿تفسير الشعراوى صـ ﴾