(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ) قَرَأَ أَبُو عُمَرَ، وَالْكِسَائِيُّ :" الْكُفَّارِ " بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى " الَّذِينَ أُوتُوا الْكُتَّابَ "، وَالْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى " الَّذِينَ اتَّخَذُوا "، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ قِرَاءَةَ الْجَرِّ تُفِيدُ أَنَّ الْكُفَّارَ ؛ أَيِ الْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَ الْمُسْلِمِينَ هُزُوًا وَلَعِبًا، لَا تُبَاحُ وِلَايَتَهُمْ، وَقِرَاءَةُ النَّصْبِ تُفِيدُ أَنَّ جَمِيعَ الْمُشْرِكِينَ يُتَّخَذُونَ أَوْلِيَاءَ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَإِنَّمَا يُنْهَى عَنْ مُوَالَاتِهِمْ ; لِوَصْفٍ فِيهِمْ يُنَافِي الْمُوَالَاةَ، كَاتِّخَاذِهِمْ دِينَ الْإِسْلَامِ هُزُوًا وَلَعِبًا ; أَيْ شَيْئًا يُمْزَحُ بِهِ وَيُسْخَرُ مِنْهُ، فَلَا تَنَافِي بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ. وَلَكِنَّ قِرَاءَةَ النَّصْبِ فِيهَا زِيَادَةُ مَعْنًى، وَحِكْمَةُ قِرَاءَةِ الْجَرِّ أَنَّهُ كَانَ يُوجَدُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَنْ يَهْزَأُ بِدِينِ الْإِسْلَامِ، وَيَعْبَثُ بِهِ، فَقِرَاءَةُ الْجَرِّ نَصٌّ فِي النَّهْيِ عَنْ مُوَالَاةِ هَؤُلَاءِ لِوَصْفِهِمْ هَذَا، وَقِرَاءَةُ النَّصْبِ ; لِإِفَادَةِ النَّهْيِ عَنْ مُوَالَاةِ جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ ; لِأَنَّ مُوَالَاةَ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ، بَعْدَ أَنْ أَظْهَرَهُمُ اللهُ عَلَيْهِمْ بِفَتْحِ مَكَّةَ، وَدُخُولِ النَّاسِ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا، تَكُونُ قُوَّةً لَهُمْ، وَإِقْرَارًا عَلَى شِرْكِهِمُ الَّذِي جَاءَ الْإِسْلَامُ لِمَحْوِهِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ، فَسِيَاسَةُ الْإِسْلَامِ


الصفحة التالية
Icon