ومن فوائد ابن عاشور فى الآية
قال رحمه الله :
﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ﴾
هذه الجمل معترضة بين ما تقدّمها وبين قوله :﴿ وإذا جاؤوكم ﴾ [ المائدة : ٦١ ].
ولا يتّضح معنى الآية أتمّ وضوح ويظهرُ الدّاعي إلى أمْرِ الله ورسوله عليه الصّلاة والسلام بأن يواجههم بغليظ القول مع أنّه القائل ﴿ لا يحبّ الله الجهر بالسوء من القول إلاّ من ظُلم ﴾ [ لنساء : ١٤٨ ] والقائل ﴿ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالّتي هي أحسن إلاّ الّذين ظلموا منهم ﴾ [ العنكبوت : ٤٦ ] إلاّ بعد معرفة سبب نزول هذه الآية، فيعلم أنّهم قد ظَلَموا بطعنهم في الإسلام والمسلمين.
فذكر الواحدي وابن جرير عن ابن عبّاس قال : جاء نفر من اليهود فيهم أبو ياسر بنُ أخطب، ورافعُ بن أبي رَافع، وعازر، وزيد، وخالد، وأزار بن أبي أزار، وأشيع، إلى النّبيء فسألوه عمّن يُؤمِن به من الرسل، فلمّا ذكر عيسى ابن مريم قالوا : لا نؤمن بمَن آمن بعيسى ولا نعلم ديناً شَرّاً من دينكم وما نعلم أهلَ دين أقلّ حظّاً في الدنيا والآخرة منكم، فأنزل الله ﴿ قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منّا إلاّ أن آمنا بالله إلى قوله وأضلّ عن سواء السبيل ﴾.
فخصّ بهذه المجادلة أهل الكتاب لأنّ الكفّار لا تنهض عليهم حجّتها، وأريد من أهل الكتاب خصوص اليهود كما يُنبىء به الموصولُ وصلتُه في قوله :﴿ مَن لَعنه اللّهُ وغضب عليه ﴾ الآية.
وكانت هذه المجادلة لهم بأنّ ما ينقمونه من المؤمنين في دينهم إذا تأمّلوا لا يجدون إلاّ الإيمانَ بالله وبما عند أهل الكتاب وزيادة الإيمان بما أنزل على محمّد صلى الله عليه وسلم
والاستفهام إنكاري وتعجّبي.
فالإنكار دلّ عليه الاستثناء، والتعجّبُ دلّ عليه أنّ مفعولات ﴿ تنقمون ﴾ كلّها محامد لا يَحقّ نَقْمُها، أي لا تجدون شيئاً تنقمونه غير ما ذكر.
وكلّ ذلك ليس حقيقاً بأن يُنقم.