فأمّا الإيمان بالله وما أنزل من قبلُ فظاهر أنّهم رَضُوه لأنفسهم فلا ينقمونه على من ماثَلَهم فيه، وأمّا الإيمان بما أنزل إلى محمّد فكذلك، لأنّ ذلك شيء رضيه المسلمون لأنفسهم وذلك لا يهُمّ أهل الكتاب، وَدَعا الرسول إليه أهل الكتاب فمن شاء منهم فليؤمن ومن شاء فليكفر، فما وجْه النقْم منه.
وعدّي فعل ﴿ تنقمون ﴾ إلى متعلِّقه بحرف ( من )، وهي ابتدائية.
وقد يعدّى بحرف ( على ).
وأمّا عطف قوله تعالى :﴿ وأنّ أكثرهم فاسقون ﴾ فقرأه جميع القرّاء بفتح همزة ( أنّ ) على أنّه معطوف على ﴿ أن آمنّا بالله ﴾.
وقد تحيّر في تأويلها المفسّرون لاقتضاء ظاهرها فسق أكثر المخاطبين مع أنّ ذلك لا يَعترف به أهله، وعلى تقدير اعترافهم به فذلك ليس ممّا يُنْقَم على المُؤمنين إذ لا عمل للمؤمنين فيه، وعلى تقدير أن يكون ممّا يُنقم على المؤمنين فليس نقْمُه عليهم بمحلّ للإنكار والتعَجّب الّذي هو سياق الكلام.
فذهب المفسّرون في تأويل موْقع هذا المعطوف مذاهب شتّى ؛ فقيل : هو عطف على متعلّق ﴿ آمنَّا ﴾ أي آمنّا بالله، وبفسق أكثركم، أي تَنقِمون منّا مجموعَ هذين الأمرين.
وهذا يُفيت معنى الإنكار التعجّبي لأنّ اعتقاد المؤمنين كَونَ أكثر المخاطبين فاسقون يجعل المخاطبين معذورين في نقْمه فلا يتعجّب منه ولا ينكر عليهم نقمه، وذلك يخالف السياق من تأكيد الشيء بما يشبه ضدّه فلا يلتئم مع المعطوف عليه، فالجمع بين المتعاطفين حينئذٍ كالجمع بين الضبّ والنّون، فهذا وجه بعيد.
وقيل : هو معطوف على المستثنى، أي ما تنقمون منّا إلاّ إيمانَنا وفسقَ أكثركم، أي تنقمون تخالف حالينا، فهو نَقْمُ حَسَد، ولذلك حسن موقع الإنكار التعجّبي.
وهذا الوجه ذكره في "الكشاف" وقَدّمَه وهو يحسن لو لم تكن كلمة ﴿ مِنّا ﴾ لأنّ اختلاف الحالين لا ينقم من المؤمنين، إذ ليس من فعلهم ولكن من مُصَادفة الزّمان.