قلنا : حذف العطف وإن كان مضمراً إلا أنه حذف لفائدة، وهي أنه لما حذف كان قوله ﴿غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ﴾ كالكلام المبتدأ به، وكون الكلام مبتدأ به يزيده قوة ووثاقة ؛ لأن الابتداء بالشيء يدل على شدة الاهتمام به وقوة الاعتناء بتقريره، ونظير هذا الموضع في حذف فاء التعقيب قوله تعالى :﴿وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾ [ البقرة : ٦٧ ] ولم يقل : فقالوا أتتخذنا هزواً.
وأما قوله ﴿وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ﴾ قال الحسن عذبوا في الدنيا بالجزية وفي الآخرة بالنار. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ٣٦﴾
وقال الآلوسى :
﴿ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ دعاء عليهم بالبخل المذموم كما قال الزجاج ودعاؤه بذلك عبارة عن خلقه الشح في قلوبهم والقبض في أيديهم، ولا استحالة في ذلك على مذهب أهل الحق، ويجوز أن يكون دعاء عليهم بالفقر والمسكنة، وقيل : تغل الأيدي حقيقة، يغلون في الدنيا أسارى، وفي الآخرة معذبين في أغلال جهنم، ومناسبة هذا لما قبله حينئذ من حيث اللفظ فقط فيكون تجنيساً، وقيل : هي من حيث اللفظ وملاحظة أصل المجاز كما تقول : سبني سب الله تعالى دابره، أي قطعه لأن السب أصله القطع، وإلى هذا ذهب الزمخشري، واستطيبه الطيبي، وقال : إن هذه مشاكلة لطيفة بخلاف قوله :
قالوا : اقترح شيئاً نجد لك طبخه...
قلت : اطبخوا لي جبة وقميصا


الصفحة التالية