واختار أبو علي الجبائي أن ذلك إخبار عن حالهم يوم القيامة أي شدت أيديهم إلى أعناقهم في جهنم جزاء هذه الكلمة العظيمة، وحكاه الطبرسي عن الحسن، ثم قال :"فعلى هذا يكون الكلام بتقدير الفاء أو الواو، فقد تم كلامهم واستؤنف بعده كلام آخر، ومن عادتهم أن يحذفوا فيما يجري هذا المجرى، ومن ذلك قوله :﴿ وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ﴾ [ البقرة : ٦٧ ] "، وأنت تعلم أن مثل هذا على الاستئناف البياني، ولا حاجة فيه إلى تجشم مؤونة التقدير، على أن كلام الحسن فيما نرى ليس نصاً في كون الجملة إخبارية إذ قصارى ما قال :﴿ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ في جهنم وهو محتمل لأن يكون دعاء عليهم بذلك.
﴿ وَلُعِنُواْ ﴾ أي أبعدوا عن رحمة الله تعالى وثوابه ﴿ بِمَا قَالُواْ ﴾ أي بسبب قولهم، أو بالذي قالوه من ذلك القول الشنيع، وهذا دعاء ثان معطوف على الدعاء الأول، والقائل بخبريته قائل بخيريته، وقرىء ﴿ وَلُعِنُواْ ﴾ بسكون العين. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٦ صـ ﴾
قوله تعالى ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أن الكلام في هذه الآية من المهمات، فإن الآيات الكثيرة من القرآن ناطقة بإثبات اليد، فتارة المذكور هو اليد من غير بيان العدد.
قال تعالى :﴿يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ [ الفتح : ١٠ ] وتارة بإثبات اليدين لله تعالى : منها هذه الآية، ومنها قوله تعالى لإبليس الملعون ﴿مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ﴾ [ ص : ٧٥ ] وتارة بإثبات الأيدي.
قال تعالى :﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أنعاما﴾ [ ياس : ٧١ ].