وقال أبو السعود :
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الكتاب ﴾ أي اليهود والنصارى، على أن المراد بالكتاب الجنسُ المنتظمُ للتوراة والإنجيل، وإنما ذكروا بذلك العنوان تأكيداً للتشنيع، فإنّ أهليةَ الكتاب توجب إيمانهم به، وإقامتَهم له لا محالة، فكفرُهم به وعدمُ إقامتهم له وهم أهلُه أقبحُ من كل قبيح وأشنعُ من كل شنيع، فمفعول قوله تعالى :﴿ ءامَنُواْ ﴾ محذوف ثقةً بظهوره مما سبَقَ من قوله تعالى :﴿ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ ءامَنَّا بالله وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسقون ﴾ وما لَحِقَ من قوله تعالى :﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التوراة ﴾ الخ، أي لو أنهم مع صدور ما صدَرَ عنهم من فنون الجنايات قولاً وفعلاً آمنوا بما نُفِيَ عنهم الإيمانُ به فيندرج فيه فرضُ إيمانهم برسول الله ﷺ، وأما إرادةُ إيمانهم به عليه السلام خاصة فيأباها المقام، لأن ما ذُكر فيما سبَقَ وما لَحِق من كفرهم به عليه السلام إنما ذُكر مشفوعاً بكفرهم بكتابِهم أيضاً قصداً إلى الإلزام والتبكيت ببيان أن الكفرَ به عليه الصلاة والسلام مستلزمٌ للكفر بكتابهم، فحملُ الإيمانِ هاهنا على الإيمان به عليه السلام خاصة مُخِلٌّ بتجاوُب أطرافِ النظم الكريم. ﴿ واتقوا ﴾ ما عدَدْنا من معاصيهم التي من جملتها مخالفةُ كتابهم ﴿ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سيئاتهم ﴾ التي اقترفوها وإن كانت في غاية العِظَم ونهايةِ الكثرة ولم نؤاخِذْهم بها ﴿ ولأدخلناهم ﴾ مع ذلك ﴿ جنات النعيم ﴾ وتكريرُ اللام لتأكيدِ الوعد، وفيه تنبيه على كمال عِظَم ذنوبهم وكثرةِ معاصيهم وأن الإسلام يجبُّ ما قبله من السيئات وإن جلَّتْ وجاوزت كلَّ حدَ معهود. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾