[ وهذا الوجه الخامس يحتاج إلى تقرير ] ليفهم معناه، قال أبُو حيَّان بعد نقله الأوجه المتقدمة :" ويظهر وجه آخر [ لعلَّه ] يكون الأرجح، وذلك أن " نَقَمَ " أصله أنْ يتعدى بـ " على " تقول :" نَقَمْتُ عَلَيْه "، ثم تبني منه [ افتعل إذ ذاك ] بـ " من " ويضمَّن معنى الإصابة بالمكروه، قال تعالى :﴿ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ ﴾ [ المائدة : ٩٥ ]، ومناسبة التضمين فيها أنَّ مَنْ عاب على شخص فعله، فهو كاره له، ومصيبه عليه بالمكروه، فجاءت هنا " فَعَل " بمعنى " افْتَعَل " كـ " قدر " و" اقتدر "، ولذلك عُدِّيت بـ " من " دون " على " التي أصلها أن تتعدى بها، فصار المعنى : وما تنالون منا، وما تصيبوننا بما نكره، إلا أنْ آمَنَّا، [ أي : إلاَّ لأنْ آمنا، ] فيكون " أن آمنَّا " مفعولاً من أجله، ويكون ﴿ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ﴾ معطوفاً على هذه العلة، وهذا - والله أعلم - سبب تعديته بـ " من " دون " على " انتهى ما قاله، ولم يصرح بكون حينئذٍ في محلِّ نصب أو جرٍّ، إلاَّ أن ظاهر حاله أن يُعتقَدَ كونه في محل جرٍّ، فإنه إنَّمَا ذكر في أوجه الجر.
وأمَّا الجَرُّ فمن ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه عطف على المؤمن به.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ :" أي : وما تنقمون منَّا إلا الإيمان بالله، وما أنزل، وبأن أكْثرَكُمْ فِاسِقُونَ " وهذا معنى واضح، قال ابن عطية :" وهذا مستقيمُ المعنى ؛ لأن إيمان المؤمنين [ بأنَّ ] أهل الكتاب المستمرين على الكفر بمحمدٍ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - فَسَقَةٌ هو مما ينقمونه ".
الثاني : أنَّهُ مجرورٌ عَطْفاً على علّةٍ محذوفة، تقديرها : ما تنقمون منا إلا الإيمان لقلة إنصافكم وفسقكم، واتباعكم شهواتكم، ويدلُّ عليه تفسير الحسن البصري " لفسقكم نقمتم علينا، ويروى لفسقكم تنقمون علينا الإيمان "، [ ويروى " لفسقهم نقموا علينا الإيمان ".