ولما كان ما مضى من ذمهم ربما أفهم أنه لكلهم، قال مستأنفاً جواباً لمن يسأل عن ذلك :﴿منهم﴾ أي أهل الكتاب ﴿أمة﴾ أي جماعة هي جديرة بأن تقصد ﴿مقتصدة﴾ أي مجتهدة في العدل لا غلو ولا تقصير، وهم الذين هداهم الله للإسلام بحسن تحريهم واجتهادهم ﴿وكثير منهم﴾ أي بني إسرائيل ﴿سآء ما يعملون﴾ أي ما أسوأ فعلهم الذي هم فيه مستمرون على تجديده، ففيه معنى التعجيب، والتعبيرُ بالعمل لأنهم يزعمون أنه لا يصدر منهم إلا عن علم، وهم الذين حرفوا الكلم عن مواضعه، وارتكبوا العظائم في عداوة الله ورسوله. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٥٠٠ ـ ٥٠٢﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما بيّن في الآية الأولى أنهم لو آمنوا لفازوا بسعادات الآخرة، بيّن في هذه الآية أيضاً أنهم لو آمنوا لفازوا بسعادات الدنيا ووجدوا طيباتها وخيراتها، وفي إقامة التوراة والإنجيل ثلاثة أوجه : أحدها : أن يعملوا بما فيها من الوفاء بعهود الله فيها، ومن الاقرار باشتمالها في الدلائل الدالة على بعثة محمد ﷺ، وثانيها : إقامة التوراة إقامة أحكامها وحدودها كما يقال : أقام الصلاة إذا قام بحقوقها، ولا يقال لمن لم يوف بشرائطها : أنه أقامها.
وثالثها : أقاموها نصب أعينهم لئلا يزلوا في شيء من حدودها، وهذه الوجوه كلها حسنة لكن الأول أحسن.
وأما قوله تعالى :﴿وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ﴾ ففيه قولان : الأول : أنه القرآن، والثاني : أنه كتب سائر الأنبياء : مثل كتاب شعياء ومثل كتاب حيقوق، وكتاب دانيال، فإن هذه الكتب مملوءة من البشارة بمبعث محمد عليه الصلاة والسلام.


الصفحة التالية
Icon