﴿ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ﴾ أي لأعطتهم السماء مطرها وبركتها والأرض نباتها وخيرها، كما قال سبحانه :﴿ لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ﴾ [ الأعراف : ٩٦ ] قاله ابن عباس وقتادة ومجاهد، وقيل : المراد لانتفعوا بكثرة ثمار الأشجار وغلال الزروع، وقيل : بما يهدل من الثمار من رءوس الأشجار وما يتساقط منها على الأرض، وقيل : بما يأتيهم من كبرائهم وملوكهم وما يعطيه لهم سفلتهم وعوامهم، وقيل : المراد المبالغة في شرح السعة والخصب لا تعيين الجهتين كأنه قيل : لأكلوا من كل جهة، وجعله الطبرسي نظير قولك : فلان في الخير من قرنه إلى قدمه أي يأتيه الخير من كل جهة يلتمسه منها، والمراد بالأكل الانتفاع مطلقاً، وعبر عن ذلك به لكونه أعظم الانتفاعات ويستتبع سائرها، ومفعول أكلوا محذوف لقصد التعميم أو للقصد إلى نفس الفعل كما في قولك : فلان يعطي ويمنع، و( من ) في الموضعين لابتداء الغاية.
وسنشير إن شاء الله تعالى في باب الإشارة إلى سر ذكر الأرجل، وفي الشرطية الأولى ترغيب بأمر أخروي، وفي الثانية ترغيب بأمر دنيوي وتنبيه على أن ما أصاب أولئك الفجرة من الضنك والضيق إنما هو من شؤم جناياتهم لا لقصور في فيض الفياض، وتقديم الترغيب بالأمر الأخروي لأنه أهم إذ به النجاة السرمدية والنعيم المقيم، وخولف بين العبارتين، فقيل : أولاً :﴿ واتقوا لَفَتَحْنَا ﴾ [ المائدة : ٦٥ ] وثانياً :﴿ أَقَامُواْ ﴾ ذا وذا سلوكاً لطريق البلاغة قيل : ويشبه أن يكون ﴿ مَا ﴾ في الشرطية الثانية إشارة إلى ما جرى على بني قريظة.