وبني النضير من قطع نخيلهم وإفساد زروعهم وإجلائهم عن أوطانهم، فكأنه قيل في حقهم : لو أنهم أقاموا لأقاموا في ديارهم وانتفعوا بنخيلهم وزروعهم لكنهم تعدوا عن الإقامة فحرموا وتاهوا في مهامه الضنك إذ ظلموا، وفرق بعضهم بين الشرطيتين بأن الأولى متحققة اللزوم في أهل الكتاب إلى يوم القيامة إذ لا شبهة في أنه إذا آمن كتابي واتقى كَفَّرَ الله تعالى عنه سيئاته وأدخله جل شأنه في رحمته سواء في ذلك معاصر النبي ﷺ وغيره، ولا كذلك الشرطية الثانية فإن الظاهر اختصاص تحقق اللزوم في المعاصر إذ نرى كثيراً من أهل الكتاب اليوم بمعزل عن الإقامة المذكورة قد وسع عليه أكثر مما وسع على كثير ممن أقام، ونرى الكثير أيضاً منهم يقيم التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم ويؤمن بالله تعالى ورسوله ﷺ على الوجه اللائق وهو في ضنك من العيش قبل ولا يتغير حاله، وربما كان في رفاهية حتى إذا أقام وقفت به سفينة العيش فوقع في حيص بيص، وجعلها كالشرطية الأولى، وحمل التوسعة على ما هو أعم من التوسعة الصورية الظاهرة والتوسعة المعنوية الباطنية كأن يرزقهم سبحانه القناعة والرضا بما في أيديهم فيكون عندهم كالكثير وإن كان قليلاً لا أظنه يأخذ محلاً من فؤادك ولا أحسبه حاسماً لما يقال، والقول بأنها كالأولى إلا أن الملازمة بين إقامتهم بأسرهم ما تقدم وانتفاعهم كذلك أي لو أنهم كلهم أقاموا التوراة الخ لأكلوا كلهم من فوقهم الخ لا لو أقام بعضهم لا أراه إلا منكراً من القول وزوراً.