ولما كان ﷺ شديد الشفقة على خلق الله، سلاّه في ذلك بقوله :﴿فلا﴾ أي فتسبب عن إعلام الله لك بذلك قبل وقوعه ثم عن وقوعه كما أخبر أن تعلم أنه بإرادته وقدرته، فقال لك : لا ﴿تأس﴾ أي تحزن ﴿على القوم الكافرين﴾ أي على فوات العريقين في الكفر لأنهم لم يضروا إلاّ أنفسهم لأن ربك العليم القدير لو علم فيهم خيراً لأقبل بهم إليك، والحاصل أنه ختم هذه الآية بمعلول الآية التي قبلها، فكأنه قبل : بلغ، فإن الله هو الهادي المضل، فلا تحزن على من أدبر. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٥٠٧ ـ ٥٠٨﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما أمره بالتبليغ سواء طاب للسامع أو ثقل عليه أمر بأن يقول لأهل الكتاب هذا الكلام وإن كان مما يشق عليهم جداً فقال ﴿قُلْ يا أهل الكتاب﴾ من اليهود والنصارى ﴿لَسْتُمْ على شَىْء﴾ من الدين ولا في أيديكم شيء من الحق والصواب، كما تقول : هذا ليس بشيء إذا أردت تحقيره وتصغير شأنه.
وقوله :﴿حتى تُقِيمُواْ التوراة والإنجيل وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مّن رَّبّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مّنْهُمْ مَّا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ طغيانا وَكُفْراً ﴾
وهذا مذكور فيما قبل، والتكرير للتأكيد.
ثم قال تعالى :﴿فَلاَ تَأْسَ عَلَى القوم الكافرين﴾ وفيه وجهان : الأول : لا تأسف عليهم بسبب زيادة طغيانهم وكفرهم، فإن ضرر ذلك راجع إليهم لا إليك ولا إلى المؤمنين.
الثاني : لا تتأسف بسبب نزول اللعن والعذاب عليهم، فإنهم من الكافرين المستحقين لذلك، روى ابن عباس أنه جاء جماعة من اليهود وقالوا : يا محمد ألست تقر أن التوراة حق من الله تعالى ؟ قال بلى، قالوا : فإنا مؤمنون بها ولا نؤمن بغيرها، فنزلت هذه الآية. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ٤٣﴾