أحدثتم وجحدتم ما فيها مما أخذ عليكم من الميثاق وكتمتم منها ما أمرتم أن تبينوه للناس فبرئت من إحداثكم.
قالوا : فإنا نأخذ بما في أيدينا فإنا على الهدى والحق ولا نؤمن بك ولا نتبعك " فأنزل الله تعالى فيهم ﴿ قُلْ يا أهل أَهْلِ الكتاب ﴾.
﴿ لَسْتُمْ على شَىْء ﴾ أي دين يعتد به ويليق بأن يسمى شيئاً لظهور بطلانه ووضوح فساده، وفي هذا التعبير ما لا يخفى من التحقير، ومن أمثالهم أقل من لا شيء ﴿ حتى تُقِيمُواْ التوراة والإنجيل ﴾ أي تراعوهما وتحافظوا على ما فيهما، من الأمور التي من جملتها دلائل رسالة النبي ﷺ وشواهد نبوته، فإن إقامتهما وتوفية حقوقهما إنما تكون بذلك لا بالعمل بجميع ما فيهما منسوخاً كان أو غيره، فإن مراعاة المنسوخ تعطيل لهما ورَدّ لشهادتهما ﴿ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مّن رَّبّكُمْ ﴾ أي القرآن المجيد، وإقامته بالإيمان به، وقدمت إقامة الكتابين على إقامته مع أنها المقصودة بالذات رعاية لحق الشهادة واستنزالاً لهم عن رتبة الشقاق.
وقيل : المراد بالموصول كتب أنبياء بني إسرائيل عليهم الصلاة والسلام، وقيل : الكتب الإلهية، فإنها كلها ناطقة بوجوب الإيمان بمن ادعى النبوة وأظهر المعجزة ووجوب طاعة من بعث إليهم له، وقد مر تمام الكلام على مثل هذا النظم الكريم وكذا على قوله تعالى :﴿ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ طغيانا وَكُفْراً ﴾ والجملة مستأنفة كما قال شيخ الإسلام مبينة لشدة شكيمتهم وغلوهم في المكابرة والعناد وعدم إفادة التبليغ نفعاً، وتصديرها بالقسم لتأكيد مضمونها وتحقيقه، ونسبة الإنزال إلى رسول الله ﷺ مع نسبته فيما مر إليهم للإنباء عن انسلاخهم عن تلك النسبة، وإذا أريد بالموصول النعم التي أعطيها ﷺ فأمر النسبة ظاهر جداً.