ولما كان اليهود قد عبدوا الأصنام متقربين بها إلى النجوم في استنزال الروحانيات انهماكاً في السحر الذي جاء نبيهم موسى عليهم السلام بإبطاله، وكان ذلك هو معنى دين الصابئة، وفرّق بين فريقي بني إسرائيل بهم مكتفياً بهم عن ذكر بقية المشركين لما مضى في البقرة، ولما سبق في هذه السورة من ذم اليهود بالنقض للميثاق والكفر واللعن والقسوة وتكرر الخيانة وإخفاء الكتاب والمسارعة في الكفر والنفاق والتخصيص بالكفر والظلم والفسق وغير ذلك من الطامات ما يسد الأسماع، كان قبول توبتهم جديراً بالإنكار، وكانوا هم ينكرون عناداً فلاح العرب من آمن منهم ومن لم يؤمن، فاقتضى الحال كون الفريقين في حيز التأكيد، ولم يتقدم للصابئة ذكر هنا فأخرجوا منه تنبيهاً على أن المقام لا يقتضيه لهم، فابتدىء بذكرهم اعتراضاً ودل على الخبر عنهم بخبر " إن "، أو أنه لما كان المقام للترغيب في التوبة، وجعل هؤلاء مع شناعة حالهم بظهور ضلالهم كمن لا إنكار لقبول توبته، كان غيرهم أولى بذلك، ولما كان حال النصارى مشتبهاً، جعلوا في حيز الاحتمال للعطف على اليهود لما تقدم من ذمهم، وعلى الصابئة لخفة حالهم بأنهم مع أن أصل دينهم صحيح لم يبلغ ذمهم السابق في هذه السورة مبلغ ذم اليهود ﴿من آمن﴾ أي منهم مخلصاً من قلبه، ولعله ترك الجار إعراقاً في التعميم ﴿بالله﴾ أي الذي له جميع الجلال والإكرام ﴿واليوم الآخر﴾ أي الذي يبعث فيه العباد بأرواحهم وأشباحهم، ويبعث من ذكره على الزهادة وألحد في العبادة، وبالإيمان به يحصل كمال المعرفة بالله تعالى باعتقاد كمال قدرته ﴿وعمل صالحاً﴾ أي صدق إيمانه القلبي بالعمل بما أمر به، ليجمع بين فضيلتي العلم والعمل، ويتطابق الجنان مع الأركان ﴿فلا خوف عليهم﴾ يعتد به في دنيا ولا في آخرة ﴿ولا هم﴾ أي خاصة ﴿يحزنون﴾ أي على شيء فات، لأنه لا يفوتهم شيء يؤسف عليه أصلاً، وأما غيرهم فهم في الحزن أبداً، وفي الآية تكذيب