فصل


قال الفخر :
قال بعض النحويين : لا شك أن كلمة "إن" من العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر، وكون المبتدأ مبتدأ والخبر خبراً وصف حقيقي ثابت حال دخول هذا الحرف وقبله، وكونه مبتدأ يقتضي الرفع.
إذا ثبت هذا فنقول : المعطوف على اسم "إن" يجوز انتصابه بناء على إعمال هذا الحرف، ويجوز ارتفاعه أيضاً لكونه في الحقيقة مبتدأ محدثاً عنه ومخبراً عنه.
طعن صاحب "الكشاف" فيه وقال : إنما يجوز ارتفاعه على العطف على محل ( إن واسمها ) بعد ذكر الخبر، تقول : إن زيداً منطلق وعمراً وعمرو بالنصب على اللفظ، والرفع على موضع ( إن ) واسمها، لأن الخبر قد تقدم، وأما قبل ذلك الخبر فهو غير جائز، لأنا لو رفعناه على محل ( إن واسمها ) لكان العامل في خبرهما هو المبتدأ، ولو كان كذلك لكان العامل في خبرهما هو الابتداء، لأن الابتداء هو المؤثر في المبتدأ والخبر معاً، وحينئذٍ يلزم في الخبر المتأخر أن يكون مرفوعاً بحرف ( إن ) وبمعنى الاتبداء فيجتمع على المرفوع الواحد رافعان مختلفان، وأنه محال.
واعلم أن هذا الكلام ضعيف، وبيانه من وجوه : الأول : أن هذه الأشياء التي يسميها النحويون : رافعة وناصبة ليس معناها أنها كذلك لذواتها أو لأعيانها، فإن هذا لا يقوله عاقل، بل المراد أنها معرفات بحسب الوضع والاصطلاح لهذه الحركات، واجتماع المعرفات الكثيرة على الشيء الواحد غير محال، ألا ترى أن جميع أجزاء المحدثات دالة على وجود الله تعالى.
والوجه الثاني : في ضعف هذا الجواب أنه بناه على أن كلمة ( أن ) مؤثرة في نصب الاسم ورفع الخبر، والكوفيون ينكرون ذلك ويقولون : لا تأثير لهذا الحرف في رفع الخبر ألبتة، وقد أحكمنا هذه المسألة في سورة البقرة.
والوجه الثالث : وهو أن الأشياء الكثيرة إذا عطف بعضها على البعض فالخبر الواحد لا يكون خبراً عنها، لأن الخبر عن الشيء عبارة عن تعريف حاله وبيان صفته، ومن المحال أن يكون حال الشيء وصفته عين حال الآخر وصفته، لامتناع قيام الصفة الواحدة بالذوات المختلفة.
وإذا ثبت هذا ظهر أن الخبر وإن كان في اللفظ واحداً إلا أنه في التقدير متعدد، وهو لا محالة موجود بحسب التقدير والنية، وإذا حصل التعدد في الحقيقة لم يمتنع كون البعض مرتفعاً بالحرف والبعض بالابتداء، وبهذا التقدير لم يلزم اجتماع الرافعين على مرفوع واحد.


الصفحة التالية
Icon