والذي يحقق ذلك أنه سلم أن بعد ذكر الاسم وخبره جاز الرفع والنصب في المعطوف عليه، ولا شك أن هذا المعطوف إنما جاز ذلك فيه لأنا نضمر له خبراً، وحكمنا بأن ذلك الخبر المضمر مرتفع بالاتبداء.
وإذا ثبت هذا فنقول : إن قبل ذكر الخبر إذا عطفنا اسماً على حكم اسم صريح العقل أنه لا بدّ من الحكم بتقدير الخبر، وذلك إنما يحصل بإضمار الأخبار الكثيرة، وعلى هذا التقدير يسقط ما ذكر من الالتزام والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ٤٤ ـ ٤٥﴾

فصل


قال الفخر :
إنه تعالى لما بيّن أن أهل الكتاب ليسوا على شيء ما لم يؤمنوا، بين أن هذا الحكم عام في الكل، وأنه لا يحصل لأحد فضيلة ولا منقبة إلا إذا آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً، وذلك لأن الإنسان له قوتان : القوة النظرية، والقوة العملية، أما كمال القوة النظرية فليس إلا بأن يعرف الحق، وأما كمال القوة العملية فليس إلا بأن يعمل الخير، وأعظم المعارف شرفاً معرفة أشرف الموجودات وهو الله سبحانه وتعالى، وكمال معرفته إنما يحصل بكونه قادراً على الحشر والنشر، فلا جرم كان أفضل المعارف هو الإيمان بالله واليوم الآخر، وأفضل الخيرات في الأعمال أمران : المواظبة على الأعمال المشعرة بتعظيم المعبود، والسعي في إيصال النفع إلى الخلق كما قال عليه الصلاة والسلام :" التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله " ثم بيّن تعالى أن كل من أتى بهذا الإيمان وبهذا العمل فإنه يرد القيامة من غير خوف ولا حزن.
والفائدة في ذكرهما أن الخوف يتعلق بالمستقبل، والحزن بالماضي، فقال ﴿لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ بسبب ما يشاهدون من أهوال القيامة ﴿وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ بسبب ما فاتهم من طيبات الدنيا لأنهم وجدوا أموراً أعظم وأشرف وأطيب مما كانت لهم حاصلة في الدنيا، ومن كان كذلك فإنه لا يحزن بسبب طيبات الدنيا.
فإن قيل : كيف يمكن خلو المكلف الذي لا يكون معصوماً عن أهوال القيامة ؟
والجواب من وجهين : الأول : أنه تعالى شرط ذلك بالعمل الصالح، ولا يكون آتياً بالعمل الصالح إلا إذا كان تاركاً لجميع المعاصي، والثاني : أنه إن حصل خوف فذلك عارض قليل لا يعتد به. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ٤٥ ـ ٤٦﴾


الصفحة التالية
Icon