كلام نفيس للعلامة الشيخ محمد أبى زهرة :
قال رحمه الله :
فى الآيات السابقة أشار سبحانه إلى استعلاء اليهود والنصارى لأنهم أهل
كتاب جاءت إليهم الرسل بالتعليم والتوجيه فبين سبحانه وتعالى أن الاستعلاء بالإذعان، واتباع ما جاء إليهم والإيمان به، وفى هذه الآية يبين سبحانه وتعالى أن الناس جميعا فى النجاة سواء، لا فرق بين يهودى ونصرانى، وعبدة للكواكب، فالإيمان يجب ما قبله، ويسوى بين المؤمنين :
" إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى " يبين " سبحانه أن " أساس النجاة وذريعة الثواب، ومنع العقاب الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح واستشعار خشية الله واتقاء عذابه، وإطاعة ما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر. ولا ينظر فى ذلك إلى سابق ما كانوا يتدينون، ولا إلى ما كانوا ينتحلون من نحل، فكما أنه لا تفرقة أمام الله تعالى بالجنسية لا تفرقة أيضا بالنحلة والملة إذا كانوا ينتهون إلى الإيمان بالله واليوم الآخر، ولذلك أكد سبحانه وتعالى أن الذين آمنوا بما جاء به محمد، والذين هادوا أى اليهود، والصابئين والنصارى، من كان منهم يؤمن بالله واليوم الآخر ويعملون صالحا، لا خوف عليهم من عقاب ولا مؤاخذة عليهم فيما فرط من ذنوب إذ الإيمان يجب ما قبله، ويمحو ما سبقه مما ارتكبوا، فهذا النص الكريم كما يفيد التسوية بين النحل السابقة إن استقاموا على الجادة، والتقوا عند منجاة الإيمان يفتح أيضا باب الرجاء، ويقرب التوبة. وهنا أصناف أربعة هم الذين امنوا، واليهود، والصابئون، والنصارى.
فالذين آمنوا هم الذين أذعنوا للحق، وآمنوا بما جاء به بمحمد ( ﷺ ) وصدقوه، وأطاعوه، واليهود هم بنو إسرائيل الذين هم شر البرية بأعمالهم إن اقلعوا عنها، فباب الرحمة مفتوح يدخله كل عباد الله تعالى.